الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما ما لا يسن له الجماعة فضربان : راتبة بوقت وغير راتبة ، فأما الراتبة فمنها السنن الراتبة مع الفرائض وأدنى الكمال فيها عشر ركعات غير الوتر ، [ ص: 501 ] وهي ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها ، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء وركعتان بعد الصبح ، والأصل فيه ما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال { صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين ، وبعدها سجدتين ، وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين } وحدثتني حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان يصلي سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر } والأكمل أن يصلي ثماني عشرة ركعة غير الوتر : ركعتين قبل الفجر ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، لما ذكرناه من حديث عمر ، وأربعا قبل الظهر ، وأربعا بعدها [ لما ] روت أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار } وأربعا قبل العصر لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن معهم من المؤمنين } والسنة فيها وفي الأربع قبل الظهر وبعدها أن يسلم من كل ركعتين لما روياه من حديث علي رضي الله عنه [ أنه كان يفصل بين كل ركعتين بالتسليم ] ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عمر رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم من طرق ، والسجدتان ركعتان ، وحديث أم حبيبة رضي الله عنها صحيح رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ، وحديث علي رضي الله عنه رواه الترمذي وقال حديث حسن ، وقد سبق بيانه في فصل السلام من صفة الصلاة واسم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب ، وقيل : اسمها هند كنيت بابنتها حبيبة بنت عبد الله بن جحش ، وكانت من السابقين إلى الإسلام تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست ، وقيل سبع رضي الله عنها .

                                      وفي الفصل أحاديث صحيحة أيضا ( منها ) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان لا يدع أربعا قبل الظهر ، ثم يخرج ويصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين } رواه مسلم وعنها { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها } رواه الترمذي وقال حديث حسن . وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي قبل العصر ركعتين } رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { رحم الله امرأ [ ص: 502 ] صلى قبل العصر أربعا } رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن . وفي الباب أحاديث كثيرة غير ما ذكرته .

                                      ( أما حكم المسألة ) فالأكمل في الرواتب مع الفرائض غير الوتر ثمان عشرة ركعة كما ذكر المصنف ، وأدنى الكمال عشر كما ذكره ، منهم من قال : ثمان فأسقط سنة العشاء قال الخضري ونص عليه وقيل : اثنتي عشرة فزاد قبل الظهر ركعتين أخريين ، وقيل بزيادة ركعتين قبل العصر ، وكل هذا سنة ، وإنما الخلاف في المؤكد منه .



                                      ( فرع ) في استحباب ركعتين قبل المغرب ، وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين ( الصحيح ) منهما : الاستحباب لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة : لمن شاء } رواه البخاري في مواضع من صحيحه وعن أنس رضي الله عنه { قال : رأيت كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب } رواه البخاري ، وعنه قال : { كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل المغرب ، فقلت : أكان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ؟ قال : كان يرانا نصليها فلم يأمرنا ولم ينهنا } رواه مسلم ، وعنه قال : { كنا بالمدينة وإذا أذن المؤذن بصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها } رواه مسلم وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه { أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري . فهذه الأحاديث صحيحة صريحة في استحبابها وممن قال به من أصحابنا : أبو إسحاق الطوسي وأبو زكريا السكري حكاه عنهما الرافعي وهذا الاستحباب إنما هو بعد دخول وقت المغرب وقبل شروع المؤذن في إقامة الصلاة ، وأما إذا شرع المؤذن في الإقامة فيكره أن يشرع في شيء من الصلوات غير المكتوبة للحديث الصحيح { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } رواه مسلم ، وأما الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر قال { ما رأيت أحدا يصلي الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } فإسناده حسن [ ص: 503 ] وأجاب البيهقي وآخرون عنه بأنه نفى ما لم يعلمه وأثبته غيره ممن علمه فوجب تقديم رواية الذين أثبتوا لكثرتهم ولما معهم من علم ما لا يعلمه ابن عمر .



                                      ( فرع ) يستحب أن يصلي قبل العشاء الآخرة ركعتين فصاعدا لحديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة : لمن يشاء } رواه البخاري ومسلم والمراد بالأذانين الأذان والإقامة باتفاق العلماء .



                                      ( فرع ) في سنة الجمعة بعدها وقبلها : تسن قبلها وبعدها صلاة وأقلها ركعتان قبلها وركعتان بعدها والأكمل أربع قبلها وأربع بعدها هذا مختصر الكلام فيها . وأما تفصيله فقال أبو العباس بن القاص في المفتاح في باب صلاة الجمعة : سنتها أن يصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا ، وقال صاحب التهذيب في باب صلاة التطوع بعد صلاة الجمعة كهي بعد صلاة الظهر ، وقال صاحب البيان في باب صلاة الجمعة قال الشيخ أبو نصر : لا نص للشافعي فيما يصلى بعد الجمعة والذي يجزئه على المذهب أنه يصلي بعدها ما يصلي بعد الظهر إن شاء ركعتين ، وإن شاء أربعا . قال صاحب البيان : وكذا يصلي قبلها ما يصلي قبل الظهر .

                                      ( قلت ) وهذا الذي ادعاه أبو نصر وأقره صاحب البيان عليه من أن الشافعي لا نص له في الصلاة بعد الجمعة غلط بل نص الشافعي رحمه الله على أنه يصلي بعدها أربع ركعات ، ذكر هذا النص في الأم في باب صلاة الجمعة والعيدين ، من كتاب اختلاف علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، وهو من أواخر كتب الأم قبل كتاب سير الواقدي ، كذلك رأيته فيه . ونقل أبو عيسى الترمذي في كتابه عن الشافعي رحمه الله أنه يصلي بعد الجمعة ركعتان فهذا ما حضرني الآن من نص الشافعي وكلام الأصحاب رحمهم الله . وأما دليله من الأحاديث فروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته وفي رواية كان لا يصلي بعد الجمعة . حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته } رواه البخاري [ ص: 504 ] ومسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا } وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا } وفي رواية { إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا بعدها أربعا } ورواه مسلم بهذه الروايات الثلاث ، وفي رواية لأبي داود { إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا } وأما السنة قبلها فالعمدة فيها حديث عبد الله بن مغفل المذكور في الفرع قبله { بين كل أذانين صلاة } والقياس على الظهر وأما حديث ابن عباس في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن } فلا يصح الاحتجاج به ; لأنه ضعيف جدا ليس بشيء ، وذكر أبو عيسى الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وإليه ذهب سفيان الثوري وابن المبارك



                                      ( فرع ) السنة لمن صلى أربعا قبل الظهر أو بعدها أن يسلم من كل ركعتين لحديث علي رضي الله عنه الذي ذكره المصنف وحديث { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } وسيأتي أدلة المسألة ومذهب أبي حنيفة رحمه الله وغيره إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في آخر هذا الباب وبالله التوفيق .

                                      وأما الحديث المروي عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أربع قبل الظهر ليس فيها تسليم يفتح لهن أبواب السماء } فضعيف رواه أبو داود وضعفه




                                      الخدمات العلمية