الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أن أبا الحسن علي بن الحسين بن محمود البغدادي المعروف بالشباش توفي بالبصرة وكان هذا الرجل هو وأبوه وعمه مستقرين فيها ومستوعبين بها وكانت الظنون تختلف في المذهب الذي يعتقدونه إلا أن الأقوال في أنهم من الشيعة الإمامية والغلاة الباطنية أغلب وكانت لهم نعم واسعة وأملاك كثيرة وشيعة من سواد البصرة والقرامطة والبطون المتفرقة يسرون طاعتهم ويحملون إليهم ما يجرونه مجرى زكواتهم وأما أبوه وعمه فكانا يتظاهران بالتجارة ويساتران عن اعتقادهما ويظهران من التدين والتصون ما يدفعان به عن أنفسهما فأما أبو الحسن فإن إشفاقه من هذه الأسباب وما كان يرمونه من اليسار دعاه إلى أن خالط الأجناد وداخل العمال وتظاهر بالأكل والشرب وسماع الغناء والترخص في المحظورات وهو في ذلك يعتذر إلى أصحابه بأنه يقصد نفي الظنة عنه فلما توفي أبو الحسن نشأ له ولد يكنى أبا عبد الله فقام مقامه وسلك طريقه ، قال المصنف رحمه الله ونقلت من خط أبي الوفاء ابن عقيل قال كان ابن الشباش وأبوه قبله له طيور سوابق وأصدقاء في جميع البلاد فينزل به قوم فيرفع طائرا في الحال إلى قريتهم يخبر له من هناك بنزولهم ويستعلمه عن أحوالهم وما تجدد هناك قبل مجيئهم إليه فيكتب إليه ذلك الحوادث فيحدث القوم بأحوالهم حديث من هو عندهم ثم يقول قد تجدد الساعة كذا وكذا فيدهشون ويرجعون إلى رستاقهم فيجدون الأمر على ما قال ويتكرر هذا فيصير [ ص: 335 ] عندهم كالقطع على أنه يعلم الغيب * . قال ومما فعل أخذ عصفورا وجعل في رجله بلفكا وشد في البلفك كتابا لطيفا وشد في رجل حمامة بلفكا وشد في طرف البلفك كتابا أكبر من ذلك وجعلها بين يديه وجعل العصفور بيد غلام له في سطح داره والحمامة بيد آخر وبعث طائرين برقعتين إلى بقعتين معروفتين يمر بهما الأصحاب المنتدبون لهذا فلما تكامل مجلسه بمن يدخل عليه قال يا بارش يوهم أنه يخاطب شيطانا اسمه بارش خذ هذا الكتاب إلى قرية فلان فقد جرت بينهم خصوم فاجتهد في إصلاح ذات بينهم ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد لكلامه العصفور الذي في يده فيرتفع الكتاب بحضور الجماعة نحو السماء فيرونه عيانا من غير أن تدرك عيونهم البلفك فإذا ارتفع الكتاب نحو السطح جذبه غلامه فقيد العصفور وقطع البلفك حتى لا يرى ويرسل طائرا إلى [ملك] القرية ليصلح الأمر وكذلك يفعل في الحمامة ويتحقق هذا في القلوب فلا يبقى شك .

وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: حضر قاضي القضاة ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة وخرج رئيس الرؤساء ومعه توقيع من الخليفة تشريف قاضي القضاة وتحميله فقرأه رئيس الرؤساء رافعا به صوته .

وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ .

وفي ذي القعدة: عادت الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر وأذنوا حي على خير العمل وشرع في رد أبي محمد بن النسوي إلى النظر في المعونة .

وفي يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة: حمل أهل القلائين على أهل الكرخ حملة هرب منها النظارة من الناس ودخل كثير منهم في مسلك ضيق فهلك من النساء نيف وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ [وعادوا في بناء الأبواب والقتال . [ ص: 336 ]

وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة جرى بين أهل الكرخ] وباب البصرة قتال فجمع الطقطقي قوما من أصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما إلى القلائين فنصبهما على حائط المسجد المستجد .

وفي هذه السنة: كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل عظيمة ارتجت منها الأرض وانقلعت منها الحيطان ووقعت شرافات القصور وحكى بعض من يعتمد على قوله أنه كان قاعدا في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله .

وفي هذه السنة: كتب محاضر في الديوان ذكر فيها صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه بما يقدح في أنسابهم التي يدعونها وجحد الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلي وفاطمة وعزوا إلى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وأنهم خارجون عن الإسلام وما جرى هذا المجرى مما قد ذكرنا مثله في أيام القادر بالله وأخذت خطوط الأشراف والقضاة والشهود والعلماء بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية