الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرون عند طوافهم بالبيت ، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق : من حرم ، أيها القوم ، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها ، والحلال من رزق الله [ ص: 396 ] الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم .

واختلف أهل التأويل في المعني : ب " الطيبات من الرزق " ، بعد إجماعهم على أن " الزينة " ما قلنا .

فقال بعضهم : " الطيبات من الرزق " في هذا الموضع ، اللحم . وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم .

ذكر من قال ذلك منهم :

14534 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وهو الودك .

14535 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، الذي حرموا على أنفسهم . قال : كانوا إذا حجوا أو اعتمروا ، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها .

14536 - وحدثني به يونس مرة أخرى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( قل من حرم زينة الله ) إلى آخر الآية ، قال : كان قوم يحرمون ما يخرج من الشاة ، لبنها وسمنها ولحمها ، فقال الله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، قال : والزينة من الثياب .

14537 - حدثني المثنى قال ، حدثنا حبان بن موسى قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن قال : لما بعث الله محمدا فقال : [ ص: 397 ] " هذا نبيي ، هذا خياري ، استنوا به " ، خذوا في سننه وسبيله ، لم تغلق دونه الأبواب ، ولم تقم دونه الحجبة ، ولم يغد عليه بالجفان ، ولم يرجع عليه بها ، وكان يجلس بالأرض ، ويأكل طعامه بالأرض ، ويلعق يده ، ويلبس الغليظ ، ويركب الحمار ، ويردف بعده ، وكان يقول : " من رغب عن سنتي فليس مني " . قال الحسن : فما أكثر الراغبين عن سنته ، التاركين لها! ثم إن علوجا فساقا ، أكلة الربا والغلول ، قد سفههم ربي ومقتهم ، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا ، وزخرفوا هذه البيوت ، يتأولون هذه الآية : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان ، قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه ، من كلام لم يحفظه سفيان .

وقال آخرون : بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب . [ ص: 398 ]

ذكر من قال ذلك :

14538 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم : البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام .

14539 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، قال : إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ) ، [ سورة يونس : 59 ] ، وهو هذا ، فأنزل الله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )

التالي السابق


الخدمات العلمية