الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                                                                      ما عندكم تعليل للخيرية بطريق الاستئناف، أي: ما تتمتعون به من نعيم الدنيا، وإن جل. بل الدنيا وما فيها جميعا ينفد ، وإن جم عدده، وينقضي. وإن طال أمده وما عند الله من خزائن رحمته الدنيوية، والأخروية باق لا نفاذ له. أما الأخروية فظاهرة، وأما الدنيوية فحيث كانت موصولة بالأخروية، ومستتبعة لها ، فقد انتظمت في سمط الباقيات الصالحات، وفي إيثار الاسم على صيغة المضارع من الدلالة على الدوام ما لا يخفى، وقوله تعالى: ولنجزين بنون العظمة على طريقة الالتفات تكرير الموعد المستفاد من قوله تعالى: إنما عند الله هو خير لكم على نهج التوكيد القسمي مبالغة في الحمل على الثبات في الدين، والالتفات عما يقتضيه ظاهر الحال من أن يقال: ولنجزينكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون للتوسل إلى التعرض لأعمالهم، والإشعار بعليتها للجزاء، أي: والله لنجزين الذين صبروا على أذية المشركين، ومشاق الإسلام التي من جملتها الوفاء بالعهود، والفقر. وقرئ: بالياء من غير التفات أجرهم مفعول ثان لنجزين، أي: لنعطينهم أجرهم الخاص بهم بمقابلة صبرهم على ما منوا به من الأمور المذكورة. بأحسن ما كانوا يعملون أي: لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور، وإنما أضيف إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه، كما في قوله سبحانه: وحسن ثواب الآخرة لا لإفادة قصر الجزاء على الأحسن منه دون الحسن ، فإن ذلك مما لا يخطر ببال أحد لا سيما بعد قوله تعالى: "أجرهم" أو "لنجزينهم" بحسب أحسن أفراد أعمالهم المذكور على معنى لنعطيهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل، لا أنا نعطي الأجر بحسب [ ص: 139 ] أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن، بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن ، والأحسن بالأحسن، وفيه ما لا يخفى من العدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصبر من بعض جزع، ونظمه في سلك الصبر الجميل، أو لنجزينهم بجزاء أحسن من أعمالهم، وأما التفسير بما ترجح فعله من أعمالهم كالواجبات والمندوبات، أو بما ترجح تركه أيضا كالمحرمات والمكروهات. دلالة على أن ذلك هو المدار للجزاء دون ما يستوي فعله، وتركه كالمباحات. فلا يساعده مقام الحث على الثبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنة المخصوصة، والترغيب في تحصيل ثمراتها بل التعرض لإخراج بعض أعمالهم عن مدارية الجزاء من قبيل تحجير الرحمة الواسعة في مقام توسيع حماها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية