الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
( ( أقسام النعمة ) ) والنعمة نعمتان : نعمة مطلقة ونعمة مقيدة .

1 فالنعمة المطلقة : هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي النعمة التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .

فهؤلاء الأصناف الأربعة ، هم أهل هذه النعمة المطلقة ، وأصحابها أيضا هم المعنيون بقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم . . . ) ، فأضاف الدين إليهم ; إذ هم المختصون بهذا الدين القيم دون سائر الأمم ، والدين تارة يضاف إلى العبد ، وتارة يضاف إلى الرب ، فيقال الإسلام دين الله ( الذي ) لا يقبل من أحد دينا سواه [ ص: 34 ] ولهذا يقال في الدعاء : ( اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء ) ونسب الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه ; لأنه هو وليها ومسديها إليهم ، وهم محل محض لنعمه قابلين لها ، ولهذا يقال في الدعاء المأثور للمسلمين ( واجعلهم مثنين بها عليك قابليها وأتممها عليهم ) .

وأما الدين فلما كانوا هم القائمين به الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبه إليهم ، فقال : ( أكملت لكم دينكم ) ، وكان الكمال في جانب الدين والتمام في جانب النعمة واللفظتان وإن تقاربتا وتوازنتا فبينهما فرق لطيف يظهر عند التأمل فإن الكمال أخص بالصفات والمعاني ويطلق على الأعيان والذوات وذلك باعتبار صفاتها وخواصها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة [ ص: 35 ] بنت خويلد ) . وقال عمر بن عبد العزيز : " إن للإيمان حدودا وفرائض وسننا وشرائع فمن استكملها فقد استكمل الإيمان " ، وأما التمام فيكون في الأعيان والمعاني ، ونعمة الله أعيان وأوصاف ومعان .

وأما دينه فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابه فكانت نسبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن كما كانت إضافة الدين إليهم والنعمة إليه أحسن ، والمقصود [ ص: 36 ] أن هذه النعمة هي النعمة المطلقة ، وهي التي اختصت بالمؤمنين ، وإذا قيل : ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية