الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 118 ] 19 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في السبب الذي فيه نزلت وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم إلى قوله : فما هم من المعتبين

129 - حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا سفيان الثوري ، وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أخبرنا سفيان الثوري ، وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن وهب بن ربيعة ، عن { عبد الله قال : إني لمستتر بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر ثقفي وختناه قرشيان ، كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فتحدثوا بينهم بحديث فقال أحدهم : أترى الله يسمع ما قلناه ؟ قال أحدهم : أراه يسمع إذا رفعنا ، ولا يسمع إذا خفضنا . وقال الآخر : إن كان يسمع منه شيئا إنه يسمعه كله ، فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام فأنزل الله وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم حتى بلغ المعتبين } .

[ ص: 119 ]

130 - وحدثنا ابن أبي داود ، حدثنا مسدد ، قال يحيى : قال سفيان : وحدثنا منصور عن مجاهد ، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي ، عن عبد الله نحوه .

حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا محمد بن أبي سمينة البغدادي قال : قال قبيصة بن عقبة قال لي قطبة بن عبد العزيز : كنت أنا وسفيان نتذاكر حديث الأعمش ، فذكرت حديث عبد الله ، كنت متعلقا بأستار الكعبة فقلت : عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله فقال لي سفيان : عمارة عن وهب بن ربيعة ، عن عبد الله فقمت من فوري إلى الأعمش فقلت : يا أبا محمد ، عندك حديث عبد الله كنت متعلقا بأستار الكعبة ؟ فقال عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد فقلت : إن سفيان يقول : عمارة عن وهب بن ربيعة فقال لي : أمهل ، فجعل يهمهم كما يهمهم البعير ، ثم قال : أصاب سفيان .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذه الآيات المذكورات في هذا الحديث فوجدنا قائلا من الناس قد قال : إن قيل هذه الآيات من السورة اللاتي [ ص: 120 ] هن فيها ما يدل على استحالة ما في هذا الحديث إذ نزولهن كان من أجله ، وهو قوله تعالى : ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم الآية .

فكان ذلك على شيء يكون في القيامة ، ثم أتبع ذلك بقوله : وقالوا لجلودهم إلى قوله وإليه ترجعون فكان ذلك على قول يكون منهم حينئذ خطابا لجلودهم عند شهادتهم عليهم بما شهدت به عليهم حينئذ ، وذلك كله كائن يوم القيامة ليس مما كان في الدنيا ، ثم قال تعالى موبخا لهم : وما كنتم تستترون إلى قوله : فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أي : حينئذ .

وفي ذلك ما ينفي أن يكون ما في حديث ابن مسعود الذي رويته على ما فيه ؛ لأن الذي فيه إنزال الله إياه على نبيه لما كان من أولئك الجهال في الدنيا .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله أنه قد يحتمل أن يكون الله تعالى أنزل على رسوله في الخبر الذي ذكر له ابن مسعود ما ذكره له عن أولئك الجهال توبيخا لهم ، وإعلاما من الله إياهم بذلك ما أعلمهم به فيه ، ثم أنزل الله عليه بعد ذلك ويوم يحشر أعداء الله إلى النار إلى قوله وإليه ترجعون فجعل صلى الله عليه وسلم ذلك في المكان الذي جعله فيه مما هو شكل لذلك ، ووصله به إذ كان ذلك كله مما يخاطب به أهل النار يوم القيامة . ومما يقوي هذا الاحتمال الذي قد ذكرنا ما قد

131 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا عبد الله بن حمران الحمراني ، حدثنا عوف الأعرابي ، عن يزيد الفارسي ، عن ابن عباس قال : { قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى [ ص: 121 ] الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطرا . بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطول ، فما حملكم على ذلك ؟ قال : فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دخل بعض من يكتب له ، فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وإذا نزلت عليه الآيات يقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، من أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطرا . بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتهما في السبع الطول } .

[ ص: 122 ] فأخبر عثمان أنهم كانوا يؤمرون أن يجعلوا بعض الآي المنزل عليهم في سورة متكاملة قبل ذلك ، وكان في قوله رضي الله عنه ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ما قد دل على أنهم إنما كانوا يؤمرون أن يجعلوا ما تأخر نزوله من الآي عند الذي يشبهه مما قد تقدم نزوله منها ، وفيما ذكرنا ما قد دل على احتمال ما وصفنا مما أحلنا به التأويل الذي ذكرنا عنه ما ذكرنا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية