الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              301 (باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته)

                                                                                                                              زاد النووي: "وبكائه شفقة عليهم".

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 77 - 78 ج3 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني الآية" [ ص: 398 ] وقال عيسى عليه السلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه، وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام؛ فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله "عز وجل" في "إبراهيم":

                                                                                                                              رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني وقال عيسى عليه السلام:

                                                                                                                              إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه، وقال: اللهم أمتي أمتي. وبكى. فقال الله [ ص: 399 ] "عز وجل" يا جبريل؛ اذهب إلى محمد "وربك أعلم" فسله: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره "رسول الله" ما قال. "وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك).

                                                                                                                              هذا الحديث؛ قد اشتمل على أنواع من الفوائد "منها": بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم.

                                                                                                                              ومنها، استحباب رفع اليدين في الدعاء أي دعاء كان.

                                                                                                                              "ومنها" البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله شرفا ما وعدها الله تعالى بقوله: "سنرضيك ولا نسوؤك"، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة، أو أرجاها.

                                                                                                                              "ومنها" بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى، وعظيم لطفه سبحانه به.

                                                                                                                              والحكمة في إرسال "جبريل، لسؤاله صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بالمحل الأعلى فيسترضى، ويكرم مما يرضيه، والله أعلم.

                                                                                                                              وهذا يوافق قوله سبحانه: [ ص: 400 ] ولسوف يعطيك ربك فترضى .

                                                                                                                              وأما قوله: "ولا نسوءك" فقال صاحب التحرير: هو تأكيد للمعنى.

                                                                                                                              أي: لا نحزنك؛ لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم، ويدخل الباقي النار. فقال تعالى: نرضيك، ولا دخل عليك حزنا، بل ننجي الجميع.

                                                                                                                              كيف وعموم شفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة، ورأفته بهم، لا يقتضي تخصيص بعض، وترك بعض، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرضى إلا بنجاة الجميع؛ إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                              "إلا من حبسه القرآن"، وأوقعه الشرك في هوة الهوان، ومن كان كذلك "ونعوذ بالله منه"، فإنه ليس في الحقيقة من أمة الإجابة.

                                                                                                                              وأما غير المشركين من أهل الكبائر، فقد ثبت في الحديث "إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، وهم الذين ماتوا مصرين عليها، ولم يتوبوا.

                                                                                                                              وأما من ندم وتاب فقد برئ لحديث "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

                                                                                                                              وانظر إلى آثار رحمة الله، كيف شملت هذه الأمة عاصيها وطائعها ؟! وكيف عمت وتمت لجميعها ؟!

                                                                                                                              ومن ههنا يظهر أن التوحيد رأس الطاعات، وأن الإشراك بالله من [ ص: 401 ] أعظم الموبقات، اللهم غفرا، ودخولا في الفردوس الأعلى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية