الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
درس ( باب ) ذكر فيه الجهاد ( الجهاد ) مبتدأ خبره فرض كفاية ويكون ( في أهم جهة ) فإن استوت الجهات خير الإمام ( كل سنة ) ظرف لقوله الجهاد فرض كفاية ( وإن ) ( خاف ) المجاهد ( محاربا ) في طريقه أو طرؤه على مال أو حريم حال الاشتغال بالجهاد فلا يسقط الجهاد ( كزيارة الكعبة ) أي إقامة الموسم بالحج كل سنة ( فرض كفاية ) [ ص: 174 ] ( ولو مع وال ) أي أمير ( جائر ) في أحكامه ظالم في رعيته إلا أن يكون غادرا ينقض العهد فلا يجب معه على الأصح ( على كل حر ذكر مكلف قادر ) متعلق بفرض كفاية ( كالقيام بعلوم الشرع ) غير العيني ، وهي الفقه والتفسير والحديث والعقائد ، وما توقفت عليه من نحو وتصريف ومعان وبيان وحساب وأصول لا فلسفة ، وهيئة ، ولا منطق على الأصح ، ولا عروض كما هو ظاهر ، والمراد بالقيام بها حفظها وإقراؤها وتدوينها وتحقيقها ( والفتوى ) وهي الإخبار بالحكم الشرعي على غير وجه الإلزام ( ودفع الضرر عن المسلمين ) ، ومن في حكمهم من أهل الذمة ( والقضاء ) ، وهو الإخبار بالحكم على وجه الإلزام لما فيه من فصل الخصومات ورفع الهرج وإقامة الحدود ونصر المظلوم ( والشهادة ) أداء وتحملا إن احتيج لذلك ( والإمامة ) الكبرى ( والأمر بالمعروف ) أي المطلوب شرعا والنهي عن المنكر أي المنهي عنه شرعا بشرط معرفة كل ، وأن لا يؤدي إلى ارتكاب ما هو أعظم منه مفسدة ، وأن يظن الإفادة .

والأولان شرطان للجواز فيحرم عند فقدهما والثالث شرط للوجوب فيسقط عند عدم ظن الإفادة ، ويشترط في النهي عن المنكر أيضا أن يكون مجمعا عليه أو مختلفا فيه ، ومرتكبه يرى تحريمه لا إن كان يرى حله أو يقلد من يقول بالحل ( والحرف المهمة ) أي التي بها صلاح الناس ، وإقامة معاشهم كالخياطة والنجارة والحياكة والفلاحة لا كقصر ثوب ونقش وطرز ( ورد السلام ) ، ولو من قارئ قرآن وآكل أو مصل لكن بالإشارة ، ولا يطلب بالرد بعد فراغه منها وكذا يجب الرد على ملب ومؤذن ومقيم لكن بعد الفراغ إن بقي المسلم لا على قاضي حاجة وواطئ ، ولا على مستمع خطبة كشابة ( وتجهيز الميت ) والصلاة عليه ( وفك الأسير ) ، ولو أتى على جميع مال المسلمين فإن كان له مال يفك به لم يجب على المسلمين بل يتعين في ماله .

التالي السابق


( باب في الجهاد ) ( قوله : فرض كفاية ) ظاهره مع الأمن والخوف ، وهو ما نقله الجزولي عن ابن رشد والقاضي عبد الوهاب ، وذلك لما فيه من إعلاء كلمة الله وإذلال الكفر ونقل عن ابن عبد البر أنه فرض كفاية مع الخوف ونافلة مع الأمن والقول الأول أقوى انظر بن ( قوله : ويكون في أهم جهة ) أي والمطلوب على جهة الوجوب أن يكون في أهم جهة إذا كان العدو في جهات ، وكان ضرره في بعضها أكثر من ضرره في غيرها فإن أرسل الإمام لغير الأهم أثم كما صرح به اللقاني فإن استوت الجهات في الضرر خير الإمام في الجهة التي يذهب إليها إن لم يكن في المسلمين كفاية لجميع الجهات ، وإلا وجب في الجميع ، وإن كان في جهة واحدة يعين القتال فيها ، وأشار الشارح بتقدير " يكون " إلى أن قوله في أهم جهة متعلق بمقدر لا بالجهاد كما هو ظاهر المصنف ; لأنه يقتضي أنه لا يقع فرض كفاية إلا إذا تعددت الجهة ، وفيها أهم وغيره ووقع في الأهم منها مع أنه فرض كفاية ولو كان الخوف في جهة واحدة أو جهات ولم يكن فيها أهم أو فيها أهم وجاهد في غيره ، وقد يقال لا داعي لذلك التقدير فالمصنف نص على المتوهم إذ ربما يتوهم أنه في الأهم فرض عين فلا ينافي أنه فرض كفاية أيضا إذا كان الخوف في جهة أو جهات لم يكن فيها أهم أو فيها وجاهد في غيره .

( قوله : كل سنة ) أي بأن يوجه الإمام كل سنة طائفة ويزج بنفسه معها أو يخرج بدله من يثق به ليدعوهم للإسلام ويرغبهم فيه ثم يقاتلهم إذا أبوا منه . ( قوله : فلا يسقط الجهاد ) أي ; لأن قتال الكفار أهم من قتال المحاربين وقال ابن عبد السلام قتال المحاربين أفضل من قتال الكفار وصوب ابن ناجي المشهور أنه ليس بأفضل .

والحاصل أن المسألة في تقديم أحدهما على الآخر وأفضليته عليه خلافية والنظر ارتكاب أخف الضررين فإن استويا قوتل الكفار ( قوله : أي إقامة الموسم إلخ ) أي وليس المراد زيارتها [ ص: 174 ] لطواف فقط أو عمرة ، وأفرد هذا عن نظائره الآتية لمشاركته للجهاد في الوجوب كل سنة بخلاف الأمور الآتية فإنها واجبة في كل وقت لا في كل سنة .

واعلم أن فرضية إقامة الموسم تحصل بمجرد حصول الشعيرة ، وإن لم يلاحظوا فرض الكفاية نعم ثواب الفرض يتوقف على نيته قاله شيخنا ( قوله : ولو مع وال جائر ) رد بلو على ما روي عن مالك من أنه لا يغازي معه ( قوله : إلا أن يكون غادرا ينقض العهد ) أي ولو مع كافر على الظاهر قاله شيخنا ( قوله : على كل حر إلخ ) هذا يشمل الكافر فيجب عليه الجهاد بأن يقتل غيره بناء على أن الكفار مخاطبون بالفروع كذا قيل ، وفيه نظر إذ كيف يكون الجهاد واجبا على الكافر وقد عد ابن رشد الإسلام من شروط الوجوب كما نقله المواق . ا هـ . بن ، وقد يقال لا يرد هذا ; لأن الظاهر أن مراد ابن رشد الوجوب الذي يطالب بسببه الإمام وولاة الأمور ، والكفار لا نتعرض لهم وإن قلنا بخطابهم بالفروع وأنهم يعذبون عليها عذابا زائدا على عذاب الكفار . ( قوله : وهي الفقه ) أي العلوم الشرعية غير العيني الفقه إلخ .

وأما الواجب العيني فاعلم أنه لا ينحصر في معرفة باب معين بل يجب على كل مكلف أن لا يقدم على أمر من طهارة وصلاة وغيرهما حتى يعلم حكم الله فيه ، ولو بالسؤال عنه ( قوله : على الأصح ) فقد نهى عن قراءته الباجي وابن العربي وعياض خلافا لمن قال بوجوب تعلمه لتوقف العقائد عليه وتوقف إقامة الدين عليها ورد ذلك الغزالي بأنه ليس عند المتكلم من عقائد الدين إلا العقيدة التي يشارك فيها العوام وإنما يتميز عنهم بصفة المجادلة .

( قوله : وهي الإخبار بالحكم الشرعي على غير وجه الإلزام ) لا شك أن هذا من جملة القيام بعلوم الشرع فهو من عطف الخاص على العام ( قوله : ودفع الضرر عن المسلمين ) أي بإطعام جائع وستر عورة حيث لم تف الصدقات ولا بيت المال بذلك ، وبالمعاونة على رد ما أخذه اللص لصاحبه ، وبرد الظالم على المظلوم وبغير ذلك ( قوله : وهو الإخبار ) فيه نظر ، والحق أن القضاء إنشاء الإخبار بالحكم على وجه الإلزام ( قوله : معرفة كل ) أي من المطلوب شرعا والمنهي عنه شرعا ( قوله : وأن يظن الإفادة ) لا يخفى أن ظن الإفادة يستلزم عدم التأدية إلى منكر أكبر منه لكن ثمرة التعداد تظهر عند اختلال القيود ; لأنه إذا اختل الثاني يحرم ، وإذا اختل الثالث يجوز أو يندب ( قوله : وآكل ) الذي ذكره ح في باب الأذان أنه يكره السلام على الآكل ، ولا يرد انظره ، وذكر عج أن السلام كما يطلب من القادم يطلب من المفارق للجماعة كما يدل عليه الحديث ، وأنه يكره تنزيها السلام على الكفار فإن سلموا علينا بإخلاص وجب علينا الرد . ( قوله : كشابة ) أي سلم عليها بالغ غير محرم وإلا وجب عليها الرد ( قوله : ولو أتى على جميع إلخ ) أي إذا كان لا يحصل لهم ضرر بذلك ، وإلا ارتكب أخف الضررين .




الخدمات العلمية