الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3044 باب النهي: أن يعود في الصدقة

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب كراهة شراء الإنسان: ما تصدق به، ممن تصدق عليه ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص62 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال: حملت على فرس عتيق، في سبيل الله. فأضاعه صاحبه. فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال: "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك. فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه" .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه: (قال: حملت على فرس عتيق في سبيل الله ) .

                                                                                                                              معناه: تصدقت به، ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله.

                                                                                                                              والعتيق: الفرس النفيس، الجواد، السابق.

                                                                                                                              [ ص: 166 ] (فأضاعه صاحبه ) . أي: قصر في القيام بعلفه ومؤونته.

                                                                                                                              (فظننت: أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم عن ذلك ؟ فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك ) .

                                                                                                                              قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم؛ فيكره لمن تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر، ونحو ذلك من القربات: أن يشتريه ممن دفعه هو إليه، أو يتهبه، أو يتملكه باختياره منه. فأما إذا ورثه منه: فلا كراهة فيه. وكذا لو انتقل إلى ثالث، ثم اشتراه منه المتصدق، فلا كراهة.

                                                                                                                              قال: هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور. وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته: للتحريم. والله أعلم. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وهذا أوفق بظاهر الحديث، وأنسب للقاعدة الأصولية. ويدل له: ما في حديث آخر: "لا تشتره، وإن أعطيته بدرهم".

                                                                                                                              (فإن العائد في صدقته، كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه ) . وفي حديث ابن عباس، عند مسلم يرفعه: "مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه، فيأكله". وله ألفاظ.

                                                                                                                              [ ص: 167 ] وهذا صريح في تحريم العود في الصدقة. لأن القيء حرام، فالمشبه به مثله. وأيضا: الرواية الدالة على التحريم، غير منافية للرواية الدالة على الكراهة، على تسليم دلالتها على الكراهة فقط. لأن الدال على التحريم: قد دل على الكراهة زيادة.

                                                                                                                              قال القرطبي: إن التحريم، هو الظاهر من سياق الحديث. وإن الأكثر حملوه: على التنفير خاصة، لكون القيء مما يستقذر.

                                                                                                                              ويؤيد القول بتحريم العود: قوله "صلى الله عليه وآله وسلم" في الهبة: "ليس لنا مثل السوء". وكذلك قوله: "لا يحل للرجل" ) . والله أعلم.

                                                                                                                              قال الطبري: ومما لا رجوع فيه مطلقا: "الصدقة" يراد بها ثواب الآخرة. قال في الفتح: اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية