الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1952 - مسألة : لا يقع طلاق إلا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ : إما الطلاق ، وإما السراح ، وإما الفراق . [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                                          مثل أن يقول : أنت طالق ، أو يقول : مطلقة ، أو قد طلقتك - أو أنت طالقة ، أو أنت الطلاق - أو أنت مسرحة ، أو قد سرحتك ، أو أنت السراح - أو أنت مفارقة ، أو قد فارقتك ، أو أنت الفراق .

                                                                                                                                                                                          هذا كله إذا نوى به الطلاق ، فإن قال في شيء من ذلك كله : لم أنو الطلاق ، صدق في الفتيا ، ولم يصدق في القضاء في الطلاق ، وما تصرف منه ، وصدق في سائر ذلك في القضاء أيضا . [ ص: 438 ]

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : قوله عز وجل : { ثم طلقتموهن }

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { فطلقوهن } ، { وللمطلقات متاع }

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { وسرحوهن سراحا جميلا } .

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } .

                                                                                                                                                                                          { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته } .

                                                                                                                                                                                          لم يذكر الله تعالى حل الزوج للزوجة إلا بهذه الألفاظ ، فلا يجوز حل عقدة عقدت بكلمة الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بما نص الله عز وجل عليه : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : إن نوى مع ذلك الطلاق - فلقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } .

                                                                                                                                                                                          وأما تفريقنا بين ألفاظ الطلاق ، فلم يوجب أن يراعى قوله فيها : لم أنو الطلاق في القضاء خاصة - وراعينا ذلك في ألفاظ " السراح ، والفراق " فلأن لفظة " الطلاق " وما تصرف منها لا يقع في اللغة التي خاطبنا الله - عز وجل - بها في أحكام الشريعة إلا على عقد الزواج فقط ، لا معنى آخر ألبتة ، فلا يجوز أن يصدق في دعواه في حكم قد ثبت بالبينة عليه وفي إسقاط حقوق وجبت يقينا للمرأة بالطلاق قبله .

                                                                                                                                                                                          وراعينا دعواه تلك في الفتيا ، لأنه قد يريد لفظا آخر فيسبقه لسانه إلى ما لم يرده ، فإذا لم يعرف ذلك إلا بقوله ، فقوله كله مقبول لا يجوز أخذ بعضه وإسقاط بعضه .

                                                                                                                                                                                          وأما " السراح ، والفراق " فإنهما تقع في اللغة التي بها خاطبنا الله - عز وجل - في شرائعه على حل عقد النكاح ، وعلى معان أخر وقوعا مستويا ليس معنى من تلك المعاني أحق بتلك اللفظة من سائر تلك المعاني ، فيكون : أنت مسرحة ، أي : أنت مسرحة للخروج إذا شئت ، وبقوله قد فارقتك ، وأنت مفارقة ، في شيء مما بينهما ما لم توافقه فيه .

                                                                                                                                                                                          فلما كان ذلك كذلك لم يجز أن يحكم بحل عقد صحيح بكلمة الله عز وجل بغير يقين ما يوجب حلها - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية