الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ( 44 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ونادى أهل الجنة أهل النار بعد دخولهموها : يا أهل النار ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا في الدنيا على ألسن رسله ، من الثواب على الإيمان به وبهم ، وعلى طاعته ، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على [ ص: 446 ] الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ فأجابهم أهل النار : بأن نعم ، قد وجدنا ما وعد ربنا حقا ، كالذي : -

14670 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم ) ، قال : وجد أهل الجنة ما وعدوا من ثواب ، وأهل النار ما وعدوا من عقاب .

14671 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ) ، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكل خير علمه الناس أو لم يعلموه ، ووعد أهل النار كل خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه ، فذلك قوله : ( وآخر من شكله أزواج ) ، [ سورة ص : 58 ] . قال : فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا : نعم . يقول : من الخزي والهوان والعذاب . قال أهل الجنة : فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا من النعيم والكرامة ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( قالوا نعم ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة : ( قالوا نعم ) ، بفتح العين من " نعم " .

وروي عن بعض الكوفيين أنه قرأ : " قالوا نعم " بكسر " العين " ، وقد أنشد بيتا لبني كلب :


[ ص: 447 ] نعم ، إذا قالها ، منه محققة ولا تخيب " عسى " منه ولا قمن



بكسر " نعم " .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا ( نعم ) بفتح " العين " ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار ، واللغة المشهورة في العرب .

وأما قوله : ( فأذن مؤذن بينهم ) ، يقول : فنادى مناد ، وأعلم معلم بينهم ( أن لعنة الله على الظالمين ) ، يقول : غضب الله وسخطه وعقوبته على من كفر به .

وقد بينا القول في " أن " إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية ، وليس بصريح الحكاية ، بأنها تشددها العرب أحيانا ، وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانا ، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به ، وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها ، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء شددت " أن " أو خففت في القراءة ، إذ كان معنى الكلام بأي ذلك قرأ القارئ واحدا ، وكانتا قراءتين مشهورتين في قرأة الأمصار .

التالي السابق


الخدمات العلمية