الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أن أبا منصور بن يوسف انتقل عن معسكر قريش إلى داره بدرب خلف بعد أن حمله البساسيري ، وجمع بينهما حتى رضي عنه ، وأصلح بينه وبينه ، والتزم أبو منصور له شيئا قرره عليه ، وركب البساسيري إليه في هذا اليوم نظرية لجاهه ، وخاطبه بالجميل ، وطيب نفسه بما بذله له ، ووعده به ، وركب قريش بن بدران من غد إليه أيضا ، وعاد جاهه طريا إلا أنه خائف من البساسيري .

وفي هذا الشهر: كتبت والدة الخليفة إلى البساسيري من مكان كانت فيه مستترة [رقعة] تشرح فيها ما لحقها من الأذى والضرر والفقر ، حتى إن القوت يتعذر عليها ، فأحضرها ، وهي جارية أرمينية قد ناهزت التسعين واحدودبت ، وأفرد لها دارا في الحريم الطاهري ، وأعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجرى عليها في كل يوم اثني عشر رطلا خبزا وأربعة أرطال لحما .

وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر: أحضر البساسيري قاضي القضاة أبا عبد الله الدامغاني ، وأبا منصور بن يوسف ، وأبا الحسين بن الغريق الخطيب ، وجماعة من وجوه العلويين والعباسيين ، وأخذ عليهم البيعة للمستنصر بالله ، واستحلفهم له ، ودخل إلى دار الخلافة بعد أيام وهؤلاء الجماعة معه .

[ ص: 45 ]

وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول: نقلت جثة أبي القاسم ابن المسلمة إلى ما يقارب الحريم الطاهري ، ونصبت على دجلة .

وفي بكرة الثلاثاء رابع هذا الشهر ، خرج البساسيري إلى زيارة المشهد بالكوفة على أن ينحدر من هناك إلى واسط ، واستصحب معه غلة في زورق ليرتب العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي ، ويجريه إلى المشهد بالحائر؛ وفاء بنذر كان عليه ، وأنفذ من ابتدأ بنقض تاج الخليفة ، فنقضت شرافاته فقيل له: هذا لا معنى فيه ، والقباحة فيه أكثر من الفائدة ، فأمسك عن ذلك .

ثم إن السلطان طغرلبك ظفر بأخيه إبراهيم فقتله ، وقتل ألوفا من التركمان ، وأنفذ إلى قريش يلتمس خاتون ويخلط بذلك ذكر الخليفة ، ورده إلى مكانه ، فرد خاتون وأجاب عما يتعلق بالخليفة بأن ما جرى كان من فعل ابن المسلمة ، ومتى وقع تسرع في المسير إلى العراق فلست آمن أن يتم على الخليفة أمر يفوت وسبب يسوء ، ولسنا بحيث نقف لك ولا نحاربك ، وإنما نبعد وندعك ، فربما ماست العساكر من بلادها ففتحت البثوق وخربت السواد ، وأنا أتوصل في جميع ما يراد من البساسيري .

وراسل قريش البساسيري يشير عليه بما التمسه السلطان طغرلبك ، ويحذره المخالفة له ، ويقول: قد دعوت إلى السلطان على ستمائة فرسخ فخدمناه ، وفعلنا ما لم يكن يظنه ، ومضى لنا ستة أشهر مذ فتحنا العراق ما عرفنا منه خبرا ، ولا كتب إلينا حرفا ، ولا فكر فينا ، وقد عادت رسلنا بعد سنة وكسر صفرا من شكر وكتاب ، فضلا عن مال ورجال ، ومتى تجدد خطب فما يشقى به غيري وغيرك ، والصواب المهادنة والمسالمة ، ورد الخليفة إلى أمره ، والدخول تحت طاعته ، وأن يستكتب أمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية