الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خبث ] خبث : الخبيث : ضد الطيب من الرزق والولد والناس ; وقوله :


                                                          أرسل إلى زرع الخبي الوالج



                                                          قال ابن سيده : إنما أراد إلى زرع الخبيث ، فأبدل الثاء ياء ، ثم أدغم ، والجمع : خبثاء ، وخباث ، وخبثة ، عن كراع ; قال : وليس في الكلام فعيل يجمع على فعلة غيره ; قال : وعندي أنهم توهموا فيه فاعلا ، ولذلك كسروه على فعلة . وحكى أبو زيد في جمعه : خبوث ، وهو نادر أيضا ، والأنثى خبيثة . وفي التنزيل العزيز : ويحرم عليهم الخبائث . وخبث الرجل خبثا ، فهو خبيث أي خب رديء . الليث : خبث الشيء يخبث خباثة وخبثا ، فهو خبيث ، وبه خبث وخباثة ; وأخبث ، فهو مخبث ، إذا صار ذا خبث وشر . والمخبث : الذي يعلم الناس الخبث . وأجاز بعضهم أن يقال للذي ينسب الناس إلى الخبث : مخبث ; قال الكميت :


                                                          فطائفة قد أكفروني بحبكم     وطائفة قالوا مسيء ومذنب

                                                          أي نسبوني إلى الكفر . وفي حديث أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الخلاء ، قال : ( أعوذ بالله من الخبث والخبائث ) ; ورواه الأزهري بسنده ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا دخل أحدكم فليقل : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ; قال أبو منصور : أراد بقوله محتضرة أي يحتضرها الشياطين ، ذكورها وإناثها . والحشوش : مواضع الغائط . وقال أبو بكر : الخبث الكفر ; والخبائث : الشياطين . وفي حديث آخر : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث ; قال أبو عبيد : الخبيث ذو الخبث في نفسه ; قال : والمخبث الذي أصحابه وأعوانه خبثاء ، وهو مثل قولهم : فلان ضعيف مضعف ، وقوي مقو ، فالقوي في بدنه ، والمقوي الذي تكون دابته قوية ; يريد : هو الذي يعلمهم الخبث ، ويوقعهم فيه . وفي حديث قتلى بدر : فألقوا في قليب خبيث مخبث ، أي فاسد مفسد لما يقع فيه ; قال : وأما قوله في الحديث : من الخبث والخبائث ; فإنه أراد بالخبث الشر ، وبالخبائث الشياطين ; قال أبو عبيد : وأخبرت عن أبي الهيثم أنه كان يرويه من الخبث ، بضم الباء ، وهو جمع الخبيث ، وهو الشيطان الذكر ، ويجعل الخبائث جمعا للخبيثة من الشياطين . قال أبو منصور : وهذا عندي أشبه بالصواب . ابن الأثير في تفسير الحديث : الخبث ، بضم الباء : جمع الخبيث ، والخبائث : جمع الخبيثة ; يريد ذكور الشياطين وإناثهم ; وقيل : هو الخبث ، بسكون الباء ، وهو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره ، والخبائث ، يريد بها الأفعال المذمومة والخصال الرديئة . وأخبث الرجل أي اتخذ أصحابا خبثاء ، فهو خبيث مخبث ، ومخبثان ; يقال : يا مخبثان ! وقوله - عز وجل - : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ; قال الزجاج : معناه الكلمات الخبيثات للخبيثين من الرجال والنساء ; والرجال الخبيثون للكلمات الخبيثات ; أي لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ; وقيل : المعنى الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيث من الرجال والنساء ، فأما الطاهرون والطاهرات ، فلا يلصق بهم السب ; وقيل : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذلك الطيبات للطيبين . وقد خبث خبثا وخباثة وخباثية : صار خبيثا . وأخبث : صار ذا خبث . وأخبث : إذا كان أصحابه وأهله خبثاء ، ولهذا قالوا : خبيث مخبث ، والاسم : الخبيثى . وتخابث : أظهر الخبث ; وأخبثه غيره : علمه الخبث وأفسده . ويقال : في النداء : يا خبث ! كما يقال : يا لكع ! تريد : يا خبيث . وسبي خبثة : خبيث ، وهو سبي من كان له عهد من أهل الكفر ، لا يجوز سبيه ، ولا ملك عبد ولا أمة منه . وفي الحديث : أنه كتب للعداء بن خالد أنه اشترى منه عبدا أو أمة ، لا داء ولا خبثة ولا [ ص: 9 ] غائلة . أراد بالخبثة : الحرام ، كما عبر عن الحلال بالطيب ، والخبثة نوع من أنواع الخبيث ; أراد أنه عبد رقيق ، لا أنه من قوم لا يحل سبيهم ، كمن أعطي عهدا وأمانا ، وهو حر في الأصل . وفي حديث الحجاج أنه قال لأنس : يا خبثة ; يريد : يا خبيث ! ويقال للأخلاق الخبيثة : يا خبثة . ويكتب في عهدة الرقيق : لا داء ، ولا خبثة ، ولا غائلة ; فالداء : ما دلس فيه من عيب يخفى أو علة باطنة لا ترى ، والخبثة : أن لا يكون طيبة ، لأنه سبي من قوم لا يحل استرقاقهم ، لعهد تقدم لهم ، أو حرية في الأصل ثبتت لهم ، والغائلة : أن يستحقه مستحق بملك صح له ، فيجب على بائعه رد الثمن إلى المشتري . وكل من أهلك شيئا فقد غاله واغتاله ، فكأن استحقاق المالك إياه ، صار سببا لهلاك الثمن الذي أداه المشتري إلى البائع . ومخبثان : اسم معرفة ، والأنثى : مخبثانة . وفي حديث سعيد : كذب مخبثان ، هو الخبيث ; ويقال للرجل والمرأة جميعا ، وكأنه يدل على المبالغة ; وقال بعضهم : لا يستعمل مخبثان إلا في النداء خاصة . ويقال للذكر : يا خبث ! وللأنثى : يا خباث ! مثل يا لكاع ، بني على الكسر ، وهذا مطرد عند سيبويه . وروي عن الحسن أنه قال يخاطب الدنيا : خباث ! كل عيدانك مضضنا ، فوجدنا عاقبته مرا ! يعني الدنيا . وخباث بوزن قطام : معدول من الخبث ، وحرف النداء محذوف ، أي يا خباث . والمض : مثل المص ; يريد : إنا جربناك وخبرناك ، فوجدنا عاقبتك مرة . والأخابث : جمع الأخبث ; يقال : هم أخابث الناس . ويقال للرجل والمرأة : يا مخبثان ، بغير هاء للأنثى . والخبيث : الخبيث ، والجمع خبيثون . والخابث : الرديء من كل شيء فاسد . يقال : هو خبيث الطعم ، وخبيث اللون ، وخبيث الفعل . والحرام البحت يسمى : خبيثا ، مثل الزنا ، والمال الحرام ، والدم ، وما أشبهها مما حرمه الله تعالى ، يقال في الشيء الكريه الطعم والرائحة : خبيث ، مثل الثوم والبصل والكراث ; ولذلك قال سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة ، فلا يقربن مسجدنا ) . وقال الله تعالى في نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - : يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ; فالطيبات : ما كانت العرب تستطيبه من المآكل في الجاهلية ، مما لم ينزل فيه تحريم ، مثل الأزواج الثمانية ، ولحوم الوحش من الظباء وغيرها ، ومثل الجراد والوبر والأرنب واليربوع والضب ; والخبائث : ما كانت تستقذره ولا تأكله ، مثل الأفاعي والعقارب والبرصة والخنافس والورلان والفأر ، فأحل الله - تعالى وتقدس - ما كانوا يستطيبون أكله ، وحرم ما كانوا يستخبثونه ، إلا ما نص على تحريمه في الكتاب ، من مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به عند الذبح ، أو بين تحريمه على لسان سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل نهيه عن لحوم الحمر الأهلية ، وأكل كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير . ودلت الألف واللام اللتان دخلتا للتعريف في الطيبات والخبائث ، على أن المراد بها أشياء معهودة عند المخاطبين بها ، وهذا قول محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه - . وقوله - عز وجل - : ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ; قيل : إنها الحنظل ; وقيل : إنها الكشوث . ابن الأعرابي : أصل الخبث في كلام العرب : المكروه ; فإن كان من الكلام ، فهو الشتم ، وإن كان من الملل ، فهو الكفر ، وإن كان من الطعام ، فهو الحرام ، وإن كان من الشراب ، فهو الضار ; ومنه قيل لما يرمى من منفي الحديد : الخبث ; ومنه الحديث : ( إن الحمى تنفي الذنوب ، كما ينفي الكير الخبث ) . وخبث الحديد والفضة ، بفتح الخاء والباء : ما نفاه الكير إذا أذيبا ، وهو ما لا خير فيه ، ويكنى به عن ذي البطن . وفي الحديث : نهى عن كل دواء خبيث ; قال ابن الأثير : هو من جهتين : إحداهما النجاسة ، وهو الحرام كالخمر والأرواث والأبوال ، كلها نجسة خبيثة ، وتناولها حرام ، إلا ما خصته السنة من أبوال الإبل ، عند بعضهم ، وروث ما يؤكل لحمه عند آخرين ; والجهة الأخرى من طريق الطعم والمذاق ; قال : ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع ، وكراهية النفوس لها ; ومنه الحديث : ( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة لا يقربن مسجدنا ) ; يريد الثوم والبصل والكراث ، وخبثها من جهة كراهة طعمها ورائحتها ، لأنها طاهرة ، وليس أكلها من الأعذار المذكورة في الانقطاع عن المساجد ، وإنما أمرهم بالاعتزال عقوبة ونكالا ، لأنه كان يتأذى بريحها . وفي الحديث : ( مهر البغي خبيث ، وثمن الكلب خبيث ، وكسب الحجام خبيث ) . قال الخطابي : قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ، ويفرق بينها في المعنى ، ويعرف ذلك من الأغراض والمقاصد ; فأما مهر البغي وثمن الكلب ، فيريد بالخبيث فيهما الحرام ، لأن الكلب نجس ، والزنا حرام ، وبذل العوض عليه وأخذه حرام ; وأما كسب الحجام ، فيريد بالخبيث فيه الكراهية ، لأن الحجامة مباحة ، وقد يكون الكلام في الفصل الواحد ، بعضه على الوجوب ، وبعضه على الندب ، وبعضه على الحقيقة ، وبعضه على المجاز ، ويفرق بينهما بدلائل الأصول ، واعتبار معانيها . والأخبثان : الرجيع والبول ، وهما أيضا السهر والضجر ، ويقال : نزل به الأخبثان أي البخر والسهر . وفي الحديث : ( لا يصلي الرجل ، وهو يدافع الأخبثين ) ; عنى بهما الغائط والبول . الفراء : الأخبثان القيء والسلاح ; وفي الصحاح : البول والغائط . وفي الحديث : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ) . الخبث ، بفتحتين : النجس . وفي حديث هرقل : فأصبح يوما وهو خبيث النفس ; أي ثقيلها كريه الحال ; ومنه الحديث : ( لا يقولن أحدكم : خبثت نفسي ) أي ثقلت وغثت ، كأنه كره اسم الخبث . وطعام مخبثة : تخبث عنه النفس ; وقيل : هو الذي من غير حله ; وقول عنترة :


                                                          نبئت عمرا غير شاكر نعمة     والكفر مخبثة لنفس المنعم

                                                          أي مفسدة . والخبثة : الزنية ; وهو ابن خبثة ، لابن الزنية ، يقال : ولد فلان لخبثة أي ولد لغير رشدة . وفي الحديث : ( إذا كثر الخبث كان كذا وكذا ) ; أراد الفسق والفجور ; ومنه حديث سعد بن عبادة : أنه أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل مخدج سقيم ، وجد مع أمة يخبث بها أي يزني .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية