الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 320 ] 201 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المراد بقول الله عز وجل : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك

1285 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا علي بن سعيد بن شداد قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما فاستفاءه فلم يدع لهما مالا ، ولا ينكحان إلا ولهما مال ! فقال : سيقضي الله في ذلك . فأنزل الله آية الميراث ، فبعث إلى عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، ولك ما بقي .

[ ص: 321 ] قال أبو جعفر : وآية الميراث المذكورة في هذا الحديث هي قول الله عز وجل : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك . الآية .

1286 - حدثنا يونس وبحر بن نصر قالا : حدثنا عبد الله بن وهب قال : وأخبرني داود بن قيس ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت : يا رسول الله ، إن سعدا هلك وترك ابنتيه وأخاه ، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد ، وإنما تنكح النساء على أموالهن ، فلم يجبها في مجلسه ذلك .

ثم جاءته ، فقالت : يا رسول الله ، ابنتا سعد ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ادعي أخاه . فجاء فقال : ادفع إلى ابنتيه الثلثين ، وإلى امرأته الثمن ، ولك ما بقي
.

قال أبو جعفر : فتأملنا قوله عز وجل : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فكان ظاهره على أن الثلثين في هذه الآية إنما جعل لمن فوق الاثنتين من البنات لا الاثنتين منهن ، وكان ذلك مما قد تعلق به قوم ، وذهبوا إلى ما يروى عن عبد الله بن عباس في الاثنتين من البنات أن لهما النصف من ميراث أبيهما كما يكون للواحدة من البنات [ ص: 322 ] من ميراث أبيهما ، وأن الثلثين إنما يستحق في ذلك من البنات من كان عدده فوق الاثنتين ثلاث أو أكثر من ذلك . وهذا قول لم نجده عند أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى عبد الله بن عباس .

ووجدنا قول فقهاء الأمصار من بعد عبد الله بن عباس إلى يومنا هذا على خلاف ما روي عن ابن عباس فيه ، وكان قول الله عز وجل : فوق اثنتين في هذا عندهم في معنى : فإن كن نساء اثنتين . وقوله : فوق صلة كما قال الله عز وجل : فاضربوا فوق الأعناق في معنى : فاضربوا الأعناق .

وقال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب وهي الأعناق ، وفوق صلة ؛ لأن ما فوق الأعناق هو عظام الرأس ، وليست الأعناق منها في شيء . والضرب المراد بذلك المستعمل فيه هو ضرب الأعناق لا ما سواها .

ووجدنا ما قد دل على ما قالوا من توريثهم البنتين الثلثين ما في آخر السورة المذكورة فيها هذه الآية ، وهي سورة النساء وهي قوله عز وجل : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك إلى قوله عز وجل : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك . فكان عز وجل قد جعل للأخت الواحدة من ميراث أختها في هذه الآية كما جعل للبنت الواحدة من ميراث أبيها في الآية الأخرى ، وكانت البنت أوكد نسبا من أبيها من الأخت من أختها .

ثم قال عز وجل : فإن كانتا اثنتين يعني من الأخوات فلهما الثلثان مما ترك يعني : ما تركه أخوهما . فلما كان للاثنتين من الأخوات الثلثان مما تركه أخوهما كانت الاثنتان من البنات فيما تركه أبوهما بذلك أولى واستحقاقهما إياه منه أحرى ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية