الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

[حملت أرسلان خاتون زوجة الخليفة إلى السلطان طغرلبك ]

أن أرسلان خاتون زوجة الخليفة حملت إلى السلطان طغرلبك في يوم البساسيري على ما سبق ذكره ، فأريد ردها إلى دار الخليفة والسلطان يعد بذلك ولا ينجزه ، ثم خطب طغرلبك بنت الخليفة لنفسه بعد موت زوجته ، وكانت زوجته سديدة عاقلة ، وكان يفوض أمره إليها فأوصته قبل موتها بمثل هذا ، واتفق أن قهرمانة الخليفة لوحت للسلطان بهذا ، وقد نسب إلى عميد الدولة أيضا ، فبعث أبا سعد بن صاعد يطلب هذا ، فثقل الأمر على الخليفة وانزعج منه ، فأخذ ابن صاعد يتكلم في بيت النوبة بكلام يشبه التهدد إن لم تقع الإجابة .

فقال الخليفة: هذا ما لم تجر العادة به ، ولم يسم أحد من الخلفاء مثله ، ولكن ركن الدين أمتع الله به عضد الدولة والمحامي عنها وما يجوز أن يسومنا هذا ، ثم أجاب إجابة خلطها بالاقتراحات التي ظن أنها تبطلها ، فمنها: تسليم واسط وجميع ما كان لخاتون من الأملاك والإقطاع والرسوم في سائر الأصقاع وثلاثمائة ألف دينار عينا منسوبة إلى المهر ، وأن يرد السلطان إلى بغداد ، و[يكون] مقامه فيها ، ولا يحدث نفسه بالرحيل عنها .

فقال العميد أبو الفتح: أما الملتمس وغيره فمجاب إليه من جهتي عن السلطان ، ولو أنه أضعافه ، فإن أمضيتم الأمر ، وعقدتم العهد سلم جميعه ، وأما مجيء السلطان [ ص: 66 ] إلى بغداد ومقامه فيها فهذا أمر لا بد من عرضه عليه ، وأخذ رأيه فيه .

وندب للخروج إلى الري في ذلك أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب ، وأصحب تذكرة بذلك ، ورسم له الخطاب على الاستقصاء في الاستعفاء ، فإن تم فهو المراد ، وإلا عرضت التذكرة .

وأنفذ طراد بن محمد الزينبي نقيب الهاشميين في ذلك أيضا ، وأنفذ أبو نصر غانم صاحب قريش بن بدران برسالة من الخليفة إلى السلطان في معنى قريش ، وإظهار الرضا عنه ، والتقدم برد أعماله المأخوذة منه ، وكان قد بذل للخليفة عند تمام ذلك عشرة آلاف دينار ، وحلف له الخليفة على صفاء النية ، وخلوص السريرة ، والتجاوز عما مضى .

فلما وصل القوم وقد حملوا معهم الخلع للسلطان ، فقام حين وضعت بين يديه وخدم ، ثم استحضروا في غد ، وطيف بهم في مجالس الدار حتى شاهدوا المفارش والآلات ، وقيل لهم: هذا كله للجهة الملتمسة ، وكان من جملة ذلك بيت في صدره دست مؤزر ، ومفروش بالنسيج ، ووسطه سماط من ذهب فيه تماثيل المحكم والبلور والكافور والمسك والعنبر ، يوفي وزن ما في السماط على أربعمائة ألف دينار [وبيت مثله يوفي ما فيه على مائة ألف دينار] في أشياء يطول شرحها .

فاجتمع أبو محمد التميمي بعميد الملك وفاوضه في ذلك الأمر وعرض عليه التذكرة ، فقال له: هذه الرسالة والتذكرة لا يحسن عرضها ، فإن الامتناع لا يحسن في جواب الضراعة ، ولا المطالبة بالأموال في مقابلة الرغبة في التجمل . ومتى طرق هذا سمع السلطان حتى يعلم أن الرغبة في الشيء لا فيه ، والإيثار للمال لا له - تغيرت نيته ، وهو يفعل في جواب الإجابة أكثر مما يطلب منه . فقال له أبو محمد: الأمر إليك ، ومهما رأيت فافعل .

فطالع السلطان بذلك ، فسر ، وأعلم الأكابر [به] ثم تقدم إلى عميد الملك بأن يأخذ خط التميمي بذلك ، فراسله بأن السلطان قد شكر ما أعلمته من خدمتك في هذا الأمر ، وتقدم بالمسير فيه ، وأريد أن تكتب خطك بذاك لأطلعه عليك ، فكتب خطه بمقتضى الرسالة والتذكرة ، فشق ذلك على عميد الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية