الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون

                                                                                                                                                                                                                                      إنما جعل السبت أي: فرض تعظيمه، والتخلي فيه للعبادة، وترك الصيد، فيه تحقيق لذلك النفي الكلي، وتوضيح له بإبطال ما عسى يتوهم كونه قادحا في كليته حسبما سلف في قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا ... إلخ. فإن اليهود كانوا يدعون أن السبت من شعائر الإسلام، وأن إبراهيم عليه السلام كان محافظا عليه، أي: ليس السبت من شرائع إبراهيم ، وشعائر ملته التي أمرت باتباعها حتى يكون بينه عليه الصلاة والسلام وبين بعض المشركين علاقة في الجملة، وإنما شرع ذلك لبني إسرائيل بعد مدة طويلة. وإيراد الفعل مبنيا للمفعول جري على سنن الكبرياء، وإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بالفاعل لاستحالة الإسناد إلى الغير. وقد قرئ: على البناء للفاعل، وإنما عبر عن ذلك بالجعل موصولا بكلمة على وعنهم بالاسم الموصول باختلافهم، فقيل: إنما جعل السبتعلى الذين اختلفوا فيه للإيذان بتضمنه للتشديد، والابتلاء المؤدي إلى العذاب، وبكونه معللا باختلافهم في شأنه قبل الوقوع إيثارا له على ما أمر الله تعالى به، واختيارا للعكس. لكن لا باعتبار شمول العلية لطرفي الاختلاف، وعموم الغائلة للفريقين بل باعتبار حال منشأ الاختلاف من الطرف المخالف للحق، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام أمر اليهود أن يجعلوا في الأسبوع يوما واحدا للعبادة، وأن يكون ذلك يوم الجمعة. فأبوا عليه، وقالوا: نريد اليوم الذي فرغ الله تعالى فيه من خلق السموات والأرض، وهو السبت. إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة، فأذن الله تعالى لهم في السبت، وابتلاهم بتحريم الصيد فيه فأطاع أمر الله تعالى الراضون بالجمعة، فكانوا لا يصيدون، وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله سبحانه قردة دون أولئك المطيعين. وإن ربك ليحكم بينهم أي: بين الفريقين المختلفين فيه. يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أي: يفصل ما بينهما من الخصومة، والاختلاف فيجازي كل فريق بما يستحقه من الثواب والعقاب، وفيه إيماء إلى أن ما وقع في الدنيا من مسخ أحد الفريقين، وإنجاء الآخر بالنسبة إلى ما سيقع في الآخرة شيء لا يعتد به هذا هو الذي يستدعيه الإعجاز التنزيلي، وقيل: المعنى: إنما جعل وبال السبت، وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، أي: أحلوا الصيد فيه تارة، وحرموه أخرى. وكان حتما عليهم أن يتفقوا على تحريمه حسبما أمر الله سبحانه به،، وفسر الحكم بينهم بالمجازاة باختلاف أفعالهم بالإحلال تارة، والتحريم أخرى. ووجه إيراده ههنا بأنه أريد به إنذار المشركين من سخط الله تعالى على العصاة، والمخالفين لأوامره كضرب المثل بالقرية التي كفرت بأنعم الله تعالى، ولا ريب في أن كلمة "بينهم" "تحكم" بأن المراد بالحكم: هو فصل ما بين الفريقين من الاختلاف، وأن توسيط حديث المسخ للإنذار المذكور بين [ ص: 151 ] حكاية أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وبين أمره صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه فتأمل:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية