الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الرسالة لا تكون إلا من البشر

                                                          وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنـزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا

                                                          إن المشركين لم يكونوا يطلبون حجة غير القرآن لنقص في الحجة إنما لنقص في إدراكهم وعمى في قلوبهم، إنما يعنتون بما يطلبون، ولقد قال تعالى: ولو نـزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ولقد قال تعالى: ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون

                                                          [ ص: 4458 ] ولقد رأينا منهم من يقول: لو جاء ما نطلب ما ظننا أننا نؤمن. إنما الداء الذي أمرض نفوسهم هو استبعادهم أن يبعث الله تعالى رسوله من البشر، ولذا قال تعالى:

                                                          وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا

                                                          كان الوحي قد غاب عن العرب أمدا طويلا بعد إبراهيم وإسماعيل ولوط وصالح وهود، فكانوا يجهلون النبوات ولا يعلمون الرسالات السماوية إلا ما بقي لهم من ملة إبراهيم أبيهم، وقد كانت العصبية الجاهلية مسيطرة عليهم، وقد جعلتهم أوزاعا متفرقين، وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم من أوسطهم نبيا بشيرا ونذيرا، فاستغل الذين ينافسون بني هاشم الشرف وينافسون بني عبد مناف الشرف ذلك الاستغراب أن يكون من البشر رسول وأثاروها به عليهم.

                                                          وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا

                                                          أي ما منع الناس الإيمان أن يدخل قلوبهم، فـ (أن) وفعلها ينسبك منهما مصدر هو المفعول الثاني، و (الناس) المفعول الأول، والفاعل (أن) التي بعد (إلا) وفعلها هو قولهم، ومعنى الكلام: وما منع الناس الإيمان إلا قولهم أبعث الله بشرا رسولا، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي ما منع الناس الإيمان إلا قولهم لم يبعث الله بشرا رسولا، وجاء النفي على صورة الاستفهام لبيان معنى الاستغراب والتساؤل الذي أدى إلى النفي، ويلاحظ هنا أمران:

                                                          الأمر الأول: قوله تعالى: إذ جاءهم الهدى هذه إشارة إلى أنهم لا يؤمنون بالرسالة مع أنها تحمل في نفسها دليلها؛ لأنها هادية مرشدة مقنعة مع ما تقتضيه أحكام العقول ومكارم الأخلاق.

                                                          [ ص: 4459 ] الأمر الثاني: أن نفيهم لأن يكون البشر رسولا إنما هو قولهم لا حقيقة أمرهم، فهم لا يؤمنون بألا يكون البشر رسولا ولكنهم يقولونه قولا من غير برهان ولا إيمان.

                                                          وإذا كانوا مستبعدين أو مستغربين أن يكون البشر رسولا فهلا تكون رسالة أو يكون الرسول من الملائكة، لا جائز أن يترك الإنسان من غير رسالة، وإذن فعلى زعمهم يكون من الملائكة، ولكن الملائكة لا يتجانسون مع البشر فلا يهدوهم، ولذا قال تعالى:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية