الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين

                                                                                                                                                                                                                                      وإن عاقبتم [ ص: 152 ] أي: إن أردتم المعاقبة على طريقة قول الطبيب للمحتمي: إن أكلت فكل قليلا. فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به أي: بمثل ما فعل بكم، وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب، نحو: كما تدين تدان، أو على نهج المشاكلة. والمقصود إيجاب مراعاة العدل مع من يناصبهم من غير تجاوز حينما آل الجدال إلى القتال، وأدى النزاع إلى القراع، فإن الدعوة المأمور بها لا تكاد تنفك عن ذلك كيف لا، وهي موجبة لصرف الوجوه عن القبل المعبودة، وإدخال الأعناق في قلادة غير معهودة قاضية عليهم بفساد ما يأتون وما يذرون، وبطلان دين استمرت عليه آباؤهم الأولون، وقد ضاقت عليهم الحيل، وعيت بهم العلل، وسدت عليهم طرق المحاجة والمناظرة، وأرتجت دونهم أبواب المباحثة والمحاورة؟ وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزة رضي الله عنه يوم أحد قد مثل به قال: لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك ، فنزلت، فكفر عن يمينه، وكف عما أراده. وقرئ: (وإن عقبتم فعقبوا) أي: وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم غير متجاوزين عنه، والأمر وإن دل على إباحة المماثلة في المثلة من غير تجاوز لكن في تقييده بقوله: "وإن عاقبتم" حث على العفو تعريضا. وقد صرح به على الوجه الآكد: فقيل: ولئن صبرتم أي: عن المعاقبة بالمثل لهو أي: لصبركم ذلك خير لكم من الانتصار بالمعاقبة، وإنما قيل: للصابرين مدحا لهم، وثناء عليهم بالصبر، أو وصفا لهم بصفة تحصل لهم عند ترك المعاقبة. ويجوز عود الضمير إلى مطلق الصبر المدلول عليه بالفعل، فيدخل فيه صبرهم كدخول أنفسهم في جنس الصابرين دخولا أوليا، ثم أمر عليه الصلاة والسلام صريحا بما ندب إليه غيره تعريضا من الصبر; لأنه أولى الناس بعزائم الأمور لزيادة علمه بشئونه سبحانه، ووفور وثوقه به فقيل:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية