الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تمت هذه الأوامر؛ والزواجر؛ على هذا الوجه الأحكم؛ والنظام الأقوم؛ أشار إلى عظيم شأنه؛ ومحكم إتقانه؛ بقوله - على طريق الاستئناف؛ تنبيها للسامع على أن يسأل عنه -: ذلك ؛ أي: الأمر العالي جدا؛ مما أوحى ؛ أي: بعث في خفية؛ إليك ربك ؛ أي: المحسن إليك؛ من الحكمة ؛ التي لا يستطاع نقضها؛ ولا الإتيان بمثلها؛ من الدعاء إلى الخير؛ والنهي عن الشر؛ ومن حكمة هذه الأشياء المشار إليها؛ من الأوامر؛ والنواهي؛ أنها لم تقبل النسخ في شريعة من الشرائع؛ بل كانت هكذا في كل ملة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين أن الجهل سبب لكل سوء؛ وكان الشرك أعظم جهل؛ أتبعه - ليكون النهي عنه بدءا وختاما؛ دلالة على فرط شناعته؛ عطفا على ما مضى من النواهي - قوله (تعالى): ولا تجعل ؛ أو يقدر له ما يعطف عليه؛ نحو: فالزمه؛ ولا تجعل مع الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي له الأمر كله؛ إلها

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا لتعنتهم ربما جعلوا تعداد الأسماء تعدادا للمسميات كما ورد في سبب نزول قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ؛ قال (تعالى) - مع إفهام المعية للغيرية -: آخر ؛ فإن ذلك أعظم الجهل؛ الذي نهى [ ص: 418 ] عن قفوه؛ فتلقى ؛ أي: فيفعل بك في الآخرة في الحبس؛ في جهنم ؛ من الإسراع فيه؛ وعدم القدرة على التدارك؛ فعل من ألقي من عال؛ حال كونك ملوما ؛ أي: معنفا على ما فعلت بعد الذم؛ مدحورا ؛ أي: مطرودا بعد الخذلان؛ فهذان الوصفان أشنع من وصفي الذم والخذلان في الآية الأولى؛ كما هي سنته (تعالى) أن يبدأ بالأخف؛ تسليكا لعباده؛ وإنما كان الشرك أجهل الجهل؛ لأن من الواضح أن الإله لا يكون إلا واحدا بالذات؛ فلا ينقسم؛ وبالاعتبار؛ فلا يجانس; وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى - عليه السلام -؛ أولها: لا تجعل مع الله إلها آخر ؛ وهي عشر آيات في التوراة؛ جعل فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك؛ لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها؛ ومن عدمه لم تنفعه حكمه؛ وعلومه؛ وإن بذ فيها الحكماء؛ وحك بيافوخه السماء؛ ما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم؛ وهم عن دين الله أضل من النعم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية