الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين . من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين . ولقد اخترناهم على علم على العالمين . وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين . إن هؤلاء ليقولون . إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين . فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . أهم خير أم قوم تبع والذين [ ص: 347 ] من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين . وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون . إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: من العذاب المهين يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والتعب في أعمال فرعون، إنه كان عاليا أي: جبارا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد اخترناهم يعني بني إسرائيل على علم علمه الله فيهم على عالمي زمانهم، وآتيناهم من الآيات كانفراق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، إلى غير ذلك ما فيه بلاء مبين أي: نعمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم رجع إلى ذكر كفار مكة، فقال: إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى يعنون التي تكون في الدنيا وما نحن بمنشرين أي: بمبعوثين، فأتوا بآبائنا أي: ابعثوهم لنا إن كنتم صادقين في البعث . وهذا جهل منهم من وجهين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنهم قد رأوا من الآيات ما يكفي في الدلالة; فليس لهم أن يتنطعوا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن الإعادة للجزاء; وذلك في الآخرة، لا في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم خوفهم عذاب الأمم قبلهم، فقال: أهم خير أي: أشد وأقوى أم قوم تبع ؟! أي: ليسوا خيرا منهم . روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أدري تبعا، نبي، أو غير نبي . وقالت [ ص: 348 ] عائشة: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا، ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه . وقال وهب: أسلم تبع ولم يسلم قومه، فلذلك ذكر قومه ولم يذكر . وذكر بعض المفسرين أنه كان يعبد النار، فأسلم ودعا قومه -وهم حمير- إلى الإسلام، فكذبوه .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما تسميته بـ "تبع" فقال أبو عبيدة: كل ملك من ملوك اليمن كان يسمى: تبعا، لأنه يتبع صاحبه، فموضع "تبع" في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام . وقال مقاتل: إنما سمي تبعا لكثرة أتباعه، واسمه ملكيكرب . وإنما ذكر قوم تبع، لأنهم كانوا أقرب في الهلاك إلى كفار مكة من غيرهم . وما بعد هذا قد تقدم [الأنبياء: 16، الحجر: 85] إلى قوله تعالى: إن يوم الفصل وهو يوم يفصل الله عز وجل بين العباد ميقاتهم أي: ميعادهم أجمعين يأتيه الأولون والآخرون .

                                                                                                                                                                                                                                      يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: لا ينفع قريب قريبا، قاله مقاتل . وقال ابن قتيبة : لا يغني ولي عن وليه بالقرابة أو غيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 349 ] والثاني: لا ينفع ابن عم ابن عمه، قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا هم ينصرون أي: لا يمنعون من عذاب الله، إلا من رحم الله وهم المؤمنون، فإنه يشفع بعضهم في بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية