الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          184 - فصل

                          [ ذكر قول من قال : أن الفطرة هي البداءة ] .

                          قال أبو عمر : وقال آخرون معنى قوله : " كل مولود يولد على الفطرة " يعني البداءة التي ابتدأهم عليها ، يريد أنه مولود على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت ، والسعادة ، والشقاوة ، إلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم دين آبائهم ، واعتقادهم .

                          قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة ، والفاطر المبتدئ ، فكأنه قال : يولد على ما ابتدأه عليه من الشقاء والسعادة ، وغير ذلك مما يصير إليه ، واحتجوا بقوله : ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) .

                          [ ص: 1023 ] وروى بإسناده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لم أدر ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها .

                          وذكروا ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في دعائه : " اللهم جبار القلوب على فطراتها : شقيها وسعيدها " .

                          قال شيخنا : حقيقة هذا القول أن كل مولود يولد على ما سبق في علم الله أنه صائر إليه ، ومعلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة ، فجميع البهائم هي مولودة على ما سبق في علم الله لها ، والأشجار مخلوقة على ما سبق في علم الله ، وحينئذ فيكون كل مخلوق قد خلق على الفطرة .

                          وأيضا فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله : " فأبواه يهودانه ، وينصرانه " معنى ، فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها .

                          وعلى هذا القول ، فلا فرق في الفطرة بين التهويد ، والتنصير ، وبين [ ص: 1024 ] تلقين الإسلام ، فإن ذلك كله داخل فيما سبق به العلم .

                          وأيضا فتمثيله ذلك بالبهيمة قد ولدت جمعاء ، ثم جدعت يبين أن أبويه غيرا ما ولد عليه .

                          وأيضا فقوله : " على هذه الملة " وقوله : " إني خلقت عبادي حنفاء " مخالف لهذا .

                          وأيضا فلا فرق بين حال الولادة وسائر أحوال الإنسان ، فإنه من حين كان جنينا إلى ما لا نهاية له من أحواله على ما سبق في علم الله ، فتخصيص الولادة بكونها على مقتضى القدر تخصيص بغير مخصص .

                          وقد ثبت في الصحيح أنه " قبل نفخ الروح فيه يكتب رزقه ، وأجله وعمله ، وشقي أو سعيد " فلو قيل : كل مولود ينفخ فيه الروح على الفطرة لكان أشبه بهذا القول ، مع أن النفخ هو بعد الكتابة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية