الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وجعلنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ على قلوبهم أكنة ؛ أي: أغطية؛ كراهة أن يفقهوه ؛ أي: يفهموا القرآن حق فهمه؛ وفي آذانهم وقرا ؛ أي: شيئا ثقيلا؛ يمنع سماعهم السماع النافع؛ بالقصور في إدراكهم؛ [ ص: 429 ] لا في بيانه؛ فرؤيتهم للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حال التلاوة غير صحيحة؛ كما أن سمعهم وإدراكهم لما يقرؤه كذلك؛ كما قال (تعالى): ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وإذا ذكرت ربك ؛ أي: المحسن إليك؛ وإليهم؛ في القرآن ؛ حال كونه؛ وحده ؛ مع الإعراض عن آلهتهم؛ ولوا ؛ وحقق المعنى؛ وصوره بما يزيد في بشاعته؛ تنفيرا عنه؛ فقال: على أدبارهم نفورا ؛ مصدر من غير اللفظ؛ مؤكد؛ لأنه محصل لمعناه؛ أو جمع "نافر"؛ كـ "قاعد"؛ و"قعود".

                                                                                                                                                                                                                                      ومادة "وقر"؛ بجميع تقاليبها الخمسة عشر تدور على الجمع؛ كما مضى في آخر "يوسف"؛ وأول "الحجر"؛ فـ "الوقر"؛ بالفتح: ثقل في الأذن؛ أو ذهاب السمع كله؛ لأن ذلك يوجب اجتماعا في النفس؛ وسكونا يحمل على الوقار؛ الذي هو السكينة؛ بفقد بعض ما كان يشعب الفكر من السمع؛ ومن ذلك ذلك "الوقر"؛ بالكسر: الحمل مطلقا؛ أو الثقيل؛ أو لأن الحمل جامع لما فيه؛ والأذن جمعت ما سدها؛ فكأنه جمع خرقها؛ فصيرها صلدا كالصخرة الصماء؛ لا ينفذ فيها شيء؛ ولذلك يسمى الطرش "الصمم"؛ و"نخلة موقرة"؛ أي: مستجمعة حملا؛ و"استوقرت الإبل": سمنت ؛ أي: جمعت [ ص: 430 ] الشحم واللحم؛ و"وقر"؛ كـ "وعد": جلس؛ لاستجماع بعض أعضائه إلى بعض؛ و"الوقير": القطيع من الغنم؛ أو صغارها؛ أو خمسمائة منها؛ أو عام؛ أو الغنم بكلبها؛ وحمارها؛ وراعيها؛ كالقرة؛ لاستجماع بعضها إلى البعض؛ و"الوقري"؛ محركة: راعي الوقير؛ أو مقتني الشاء؛ وصاحب الحمير؛ وساكنو المصر؛ و"القرة"؛ كـ "عدة": العيال؛ والثقل؛ والشيخ الكبير؛ لأن الكبر والثقل يثمران الوقار الناشئ عن استجماع النفس والعزم؛ وترك الانتشار بالطيش؛ وما قبلهما واضح في الجمع؛ و"الموقر"؛ كـ "معظم": المجرب العاقل؛ قد حنكته الدهور؛ لأن ذلك يثمر استجماع العقل؛ و"وقرت الرجل توقيرا": بجلته؛ ورزنته؛ و"الدابة": سكنتها؛ فكان كأنه جمع إليها حمل ثقيل؛ و"التيقور": "فيعول" من الوقار؛ تاؤه مبدلة من واو؛ يقال: "وقر في بيته يقر"؛ أي: جمع نفسه فيه؛ لاجتماع همه؛ و"الموقر"؛ كـ "مجلس": الموضع السهل عند سفح الجبل؛ لعله شبه بالرجل الوقور المطمئن الساكن النفس؛ والحامل الذي يوطئه الحمل؛ و"الوقرة": وكتة؛ أي: حفرة؛ تكون في الحافر؛ والعين؛ والحجر؛ لأن من شأن [ ص: 431 ] الحفرة أن تجمع ما تودعه؛ ومنه "توقير الشيء": أن تصير له وقرات؛ أي: آثارا؛ و"الوقر": الصدع في الساق؛ وكالوكتة؛ أو الهزمة؛ تكون في العظم؛ والحجر؛ والعين؛ و"أوقر الله الدابة": أصابها بوقرة؛ و"فقير وقير"؛ ؛ أي: مكسور العظام؛ أو الفقار؛ أو تشبيه بصغار الشاء؛ أو إتباع؛ أو المعنى أن الدين أوقره؛ و"الوقير": النقرة العظيمة في الصخرة تمسك الماء؛ وهو واضح في الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      و"الروق": القرن؛ لشدة اجتماعه؛ لصلابته؛ واستدارته؛ ولأنه يجمع إقدام صاحبه؛ وعزمه؛ والروق أيضا: عزم الرجل؛ وفعاله؛ لجمعهما أمره؛ و"الروق من الليل": طائفة؛ لاجتماع ساعاتها؛ و"الروق من البيت": رواقه؛ أي: شقته التي دون الشقة العليا؛ لأنها تكمل جمعه؛ لما يقصد منه من الستر؛ و"رواق البيت"؛ كـ "كتاب"؛ و"غراب": ما أطاف به؛ قال القزاز: وقيل: "الرواق"؛ كالفسطاط؛ يحمل على عمود واحد في وسطه؛ قال في القاموس: أو سقف في مقدم البيت؛ وحاجب العين؛ ولعله شبه بالستر؛ و"من الليل": مقدمه؛ وجانبه؛ شبه بجانب البيت؛ و"الروق من الشباب": أوله؛ كـ "الريق"؛ بالفتح؛ و"الريق"؛ كـ "كيس"؛ وأصله "ريوق"؛ لأنه ينبني عليه ما بعده؛ ويجتمع إليه؛ كأنه الأصل الذي يجمع [ ص: 432 ] جميع الفروع؛ و"الريق"؛ أيضا: أن يصيبك من المطر شيء يسير؛ كأنه أول المطر؛ و"الروقة": الشيء اليسير؛ وهي من ذلك؛ و"الروق"؛ أيضا: العمر؛ لأنه الجامع للحال؛ وراقني الشيء: أعجبني؛ لأن الفكر يجمع الخواطر لأجله؛ فلا يظهر له وجه ما صار به معجبا؛ و"وصيف روقة"؛ إذا أعجبك؛ و"جارية روقة"؛ و"غلمان روقة"؛ جمع "رائق"؛ و"الروقة": الشيء الجميل جدا؛ و"الروق"؛ بالفتح؛ العجب؛ والإعجاب بالشيء؛ ومن الخيل: الحسن الخلق؛ يعجب الرائي؛ و"الجمال الرائق"؛ و"الريق"؛ و"الروق"؛ و"الرواق": الستر؛ لأنه يجمع البصر والهم عما وراءه؛ وهو أيضا موضع الصائد؛ لأنه يجمعه على ما يريد؛ ويوصله إليه؛ و"الروق": الرواق؛ ومقدم البيت؛ والشجاع لا يطاق؛ لاجتماع همه لما يريد؛ والفسطاط؛ والسيد؛ لجمع الفضائل؛ والصافي من الماء؛ وغيره؛ لأن الصفاء أجدر باجتماع الأجزاء؛ و"الروق": الجماعة؛ والحب الخالص؛ ومصدر "راق عليه"؛ أي: زاد عليه فضلا؛ لأن الزيادة لا تكون إلا عن جمع؛ و"الروق": البدن من الشيء؛ لجمعه له؛ والحية؛ لتحويها؛ أي: تجمعها؛ و"داهية ذات روقين"؛ أي: عظيمة مشبهة [ ص: 433 ] بالثور؛ و"رمى بأرواقه على الدابة": ركبها؛ أي: بجميع أعضائه؛ و"رمى بأرواقه عنها": نزل؛ و"ألقى أرواقه": عدا فاشتد عدوه؛ كأنه خرج من جميع أعضائه؛ فعدا روحا بلا بدن؛ فصار أعظم من الطائر؛ أي: غلبت روحه على بدنه؛ و"ألقى أرواقه": أقام بالمكان مطمئنا; قال في القاموس: كأنه ضد؛ انتهى؛ والمفعول فيه في هذا محذوف؛ كأنه قال: "في مكان كذا"؛ ومن المعلوم أن بدنه إذا كان في مكان وهو حي؛ فقد أقام به؛ و"ألقى عليك أرواقه"؛ وهو أن تحبه شديدا؛ والمعنى أنه ألبسك بدنه؛ فصارت روحك مديرة له؛ فصرت إياه؛ وتعبير القزاز بقوله: "وهو أن تحبه حتى تستهلك في حبه"؛ يدل على ذلك؛ و"ألقت السحابة أرواقها"؛ أي: مطرها؛ ووبلها؛ أو مياهها الصافية؛ وذلك هو مجموع ما فيها؛ و"أرواق الليل": أثناء ظلمته؛ شبه بالخيمة؛ و"من العين": جوانبها؛ لأنها حاوية لها؛ وعبارة القزاز: "ضرب الليل بأرواقه"؛ إذا قام؛ وثبت؛ وقيل: "أرواقه": مقاديمه؛ و"أسلبت العين [ ص: 434 ] أرواقها": سالت دموعها؛ أي: جميع ما فيها؛ كأن ذلك كناية عن اشتداد البكاء؛ و"روق الفرس": الذي يمده الفارس من رمحه بين أذنيه؛ تشبيه له بقرن الثور؛ و"ذلك الفرس أروق"؛ ومنه "الروق"؛ محركة؛ وهو طول الأسنان؛ تشبيها لها بالروق؛ أي: القرن؛ قال القزاز: وقيل: "الروق": طول الأسنان؛ وانثناؤها إلى داخل الفم؛ وإشراف العليا على السفلى؛ و"القوم روق"؛ إذا كانوا كذلك؛ وهو يصلح لأن يكون تشبيها بما ذكر؛ ولأن يكون من الجمع من أجل الانثناء؛ ومنه "أكل فلان روقه"؛ إذا أسن؛ فطال عمره؛ حتى تتحات أسنانه؛ المشبهة بالقرن؛ و"الترويق": التصفية؛ وقد تقدم أن الشيء إذا خلص من الأغيار كانت أجزاؤه أشد تلاصقا؛ و"الترويق": أن يبيع سلعة ويشتري أجود منها؛ مشبهة بالتصفية؛ و"الراووق": المصفاة؛ يروق بها الشراب بلا عصر؛ والكأس بعينها؛ والباطية؛ وناجود الشراب؛ الذي يروق به؛ لأنها تجمع الشراب؛ و"القرو": القصد والتتبع؛ كالاقتراء؛ والاستقراء؛ والطعن؛ [ ص: 435 ] وهو واضح في الجمع؛ و"القرو": حوض طويل؛ ترده الإبل؛ وعبارة القزاز: شبه حوض؛ ممدود؛ مستطيل إلى جنب الحوض؛ يفرغ منه في الحوض الأعظم؛ ترده الإبل والغنم؛ وكذا إن كان من خشب؛ و"القرو": الأرض؛ لا تكاد تقطع؛ كأنها حمت اجتماع أجزائها عن أن يفرقها أحد؛ و"القرو": مسيل المعصرة؛ ومثعبها؛ لاجتماع ما يسيل فيه؛ وأسفل النخلة؛ ينقر فينتبذ فيه؛ أو يتخذ منه المركن والإجانة للشرب؛ وقدح أو إناء صغير؛ وميلغة الكلب؛ وحق عليه طبق؛ ومنقع الماء؛ والعرب تقول: "أصبحت الأرض قروا واحدا"؛ إذا كثر الخصب والمطر؛ وكل ذلك واضح في الجمع؛ وأن يعظم جلد البيضتين لريح أو ماء؛ أو نزول الأمعاء كالقروة؛ وذلك إما لشبههما بالقدح؛ أو لجمعهما ما أوجب كبرهما؛ و"قرى"؛ كـ "فعلى": ماء بالبادية؛ لجمعه الناس؛ و"القرى": القرع يؤكل؛ لأنه صالح لأن يجعل إناء؛ و"القرا": الظهر؛ لجمعه الأعضاء؛ و"ناقة قرواء": طويلة السنام؛ و"المقروري": الطويل الظهر؛ و"أقرى": اشتكى؛ إما أن يكون من شكاية القرا؛ وإما أن يكون للسلب؛ أي: أزال اجتماع همه وعزمه؛ و"القرواء": [ ص: 436 ] العادة؛ لجمعها أهلها؛ والدبر؛ لجمعها ما فيها؛ و"أقرى": طلب القرى؛ ولزم القرى؛ و"أقرى الجل على الفرس": ألزمه؛ و"المقاري": رؤوس الآكام؛ لأنها تجمع؛ و"تركتهم قروا واحدا"؛ على طريقة واحدة؛ أي: مجتمعين؛ و"شاة مقروة": جعل رأسها في خشبة؛ لئلا ترضع نفسها؛ أي: جمع فكاها؛ و"قروة الرأس": طرفه؛ وعبارة القزاز: و"قروان الرأس"؛ و"قروة الرأس": أعلاه؛ كأنه مجتمع أمره؛ لأنه موضع المفكرة؛ و"قروة الأنف": طرفه؛ لأنه آخر جامع لجماله؛ و"استقرى الدمل": صارت فيه المدة؛ أي: اجتمعت؛ و"القيروان": معظم العسكر؛ ومعظم القافلة؛ وسيأتي إن شاء الله (تعالى) بقية المادة في: بورقكم هذه ؛ في "الكهف".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية