الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3084 باب: ما يلحق الإنسان ثوابه بعده

                                                                                                                              ولفظ النووي: ( باب ما يلحق الإنسان من الثواب، بعد وفاته ) .

                                                                                                                              وأورده في المنتقى في: (كتاب الوقف ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص85 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له" .]

                                                                                                                              [ ص: 200 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 200 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثة" ) . وزاد في رواية أخرى أشياء.

                                                                                                                              وفيه: أن ثواب هذه الثلاثة: لا ينقطع بالموت.

                                                                                                                              قال النووي: قال العلماء: معنى الحديث: أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له، إلا في هذه الأشياء الثلاثة ؛

                                                                                                                              (إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (لكونه سببها. فإن الولد من كسبه. وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم، أو تصنيف. وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف. انتهى.

                                                                                                                              وهذا الحديث: اتفق الشيخان على إخراجه.

                                                                                                                              وفيه: الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية، والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه، والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد.

                                                                                                                              ولفظ النووي: وفيه: فضيلة الزواج، لرجاء ولد صالح.

                                                                                                                              قال: وفيه: دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، والحث على الاستكثار منه، والترغيب في توريثه؛ بالتعليم، [ ص: 201 ] والتصنيف، والإيضاح. وأنه ينبغي: أن يختار من العلوم: الأنفع، فالأنفع. انتهى. كعلم الكتاب، وعلوم تفسيره، وعلم السنة، وعلوم شروحه. بل لا علم أنفع من هذين العلمين. كيف وكل الصيد في جوف الفرا. ومن حرمهما، فقد حرم الثواب والصواب.

                                                                                                                              قال: وفيه: أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما. وكذلك قضاء الدين..

                                                                                                                              وأما الحج؛ فيجزي عن الميت عند الشافعي وموافقيه. وهذا داخل في قضاء الدين، إن كان حجا واجبا. وإن كان تطوعا وصى به، فهو من باب الوصايا.

                                                                                                                              وأما إذا مات وعليه صيام: فالصحيح: أن الولي يصوم عنه.

                                                                                                                              وأما قراءة القرآن، وجعل ثوابها للميت. والصلاة عنه، ونحوهما: فمذهب الشافعي والجمهور: أنها لا تلحق الميت. وفيها خلاف. انتهى.

                                                                                                                              قلت: الصدقة الجارية، تشمل حفر البئر، وبناء البيت للغريب، وبناء الصراط، وبناء المسجد. وقد بلغها السيوطي إلى أمور عشرة.

                                                                                                                              والعلم المنتفع به، يشمل كل علم يحصل به الانتفاع في أمر من أمور الدين، وشيء من أشياء الآخرة. وهذا لا يوجد إلا في ممارسة علوم الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وما صنف لهما. ومن هنا: ظهر [ ص: 202 ] عظم رتب العلماء بالقرآن والحديث، وثبت أن تصانيفهم فيهما: صدقات جارية، وعلوم نافعة ممتعة، يبقى ثوابها وأجرها ما دامت السماوات والأرض.

                                                                                                                              وقد ورد في حديث ضعيف: "أن مداد العلماء، يزيد على دماء الشهداء" ولا سيما التصانيف التي جمعها أهلها، في نصرة التوحيد والسنن، ورد البدع والإشراك. فإن النفع بها أكثر وأتم، وأجرها أعظم وأعم.

                                                                                                                              قال السيد العلامة، محمد بن إسماعيل الأمير، في "جمع التشتيت، في شرح أبيات التثبيت": ومما يلحق الميت من أجر أعماله إلى قبره، ويجري عليه ثوابها دائما: عشرة أشياء. هذه الثلاثة،

                                                                                                                              والرابع: المرابط في سبيل الله.

                                                                                                                              والخامس، والسادس، والسابع، والثامن: ما في حديث أبي هريرة يرفعه، بلفظ: "أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل، أو نهرا أجراه".

                                                                                                                              قال: هذا عليه جلة الأعيان. ومثله: الدعاء من الإخوان.

                                                                                                                              قال ابن القيم "في كتاب الروح": تنتفع أرواح الموتى بأمرين، مجمع عليهما بين أهل السنة: من الفقهاء، وأهل الحديث، والتفسير؛ [ ص: 203 ] أحدهما: ما تسبب إليه الميت، في حياته.

                                                                                                                              والثاني: دعاء المسلمين له، واستغفارهم، والصدقة. والحج على نزاع في الذي يصل من ثوابه: هل ثواب الإنفاق، أو ثواب العمل ؟

                                                                                                                              فعند الجمهور: ثواب العمل نفسه. وعند الحنفية: إنما يصل ثواب الإنفاق.

                                                                                                                              قال: واختلف في العبادات البدنية: كالصوم، والصلاة، وقراءة القرآن، والذكر؛

                                                                                                                              فمذهب أحمد، وجمهور السلف: وصولها. وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة. نص على هذا أحمد.

                                                                                                                              والمشهور من الشافعي، ومالك: أن ذلك لا يصل. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية