الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثاني : أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء ، فإن اعترف بذلك ، أجل سنة منذ ترافعه ، فإن وطئ فيها ، وإلا فلها الفسخ ، فإن اعترفت أنه وطئها مرة ، بطل كونه عنينا ، فإن وطئها في الدبر ، أو وطئ غيرها - لم تزل العنة ، ويحتمل أن تزول ، فإن ادعى أنه وطئها ، وقالت : إنها عذراء ، فشهد بذلك امرأة ثقة ، فالقول قولها ، وإلا فالقول قوله ، وإن كانت ثيبا فالقول قوله ، وعنه : القول قولها .

                                                                                                                          وقال الخرقي : يخلى معها في بيت ، ويقال له : أخرج ماءك على شيء ، فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثاني : أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء ) العنين : هو العاجز عن الوطء ، وربما اشتهاه ولا يمكنه ، مشتق من عن الشيء : إذا عرض ، وقيل : الذي له ذكر ولا ينتشر ، فإن اختلفا في وجود العنة ، فإن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة ، عمل بها ، وإلا حلف المنكر ، وقبل قوله ، فإن كان مريضا يغمى عليه ثم يزول ، فذلك مرض لا يثبت به خيار ، وإن زال المرض ودام به الإغماء فهو الجنون ، فإذا ثبت أنه عنة ، فهو عيب تستحق المرأة به الفسخ بعد أن تضرب له مدة يختبر بها ، ويعلم حاله بها في قول الجماهير ( فإن اعترف بذلك ) وأقيمت به بينة عادلة ( أجل سنة منذ ترافعه ) ; لقول عمر ، وابن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، رواه الدارقطني ، ولا مخالف لهم ، رواه أبو حفص ، عن علي ، وكالجب ، وخبر امرأة رفاعة : إما معه مثل هدبة هذا الثوب - لا حجة فيه ، فإن المدة إنما تضرب مع اعترافه وطلب المرأة ذلك ، مع أن الرجل أنكر ذلك ، وقال : إني لأعركها عرك الأديم ، قال ابن عبد البر : وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه ، فلا معنى لضرب المدة ، وحينئذ لا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط ، قاله في " الترغيب " ; ولأن العجز عنه يحتمل أن يكون مرضا ، فتضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة ، وقيل : شمسية ، فإن كان من يبس زال في الرطوبة ، وإن كان من رطوبة زال في فصل اليبس ، وإن كان من برودة زال في الحرارة ، وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال ، فإذا مضت الفصول الأربعة [ ص: 103 ] واختلفت عليه الأهوية ، ولم يزل ، علم أنه خلقة ، قال أحمد : أهل الطب قالوا : الداء لا يسجن في البدن أكثر من سنة ، ثم يظهر . وابتداء السنة منذ ترافعه ، قال ابن عبد البر : على هذا جماعة القائلين بتأجيله بخلاف مدة الإيلاء ( فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ ) في ظاهر المذهب ; لأنه لا تثبت عنته ، فيثبت لها الفسخ ، واختار أبو بكر وصححه المجد : أنه لا يؤجل ، ويفسخ في الحال كالجب ; ولأن المقتضي للفسخ قد وجد ، وزواله لا يحتمل الأجل ، والظاهر عدمه ، والحاصل أنها إذا ادعت عدم وطئها لعنته سئل عن ذلك ، فإن أنكر وهي عذراء فالقول قولها ، وإلا فالقول قوله مع يمينه - في ظاهر المذهب ; لأن الأصل السلامة ، والأصح أنه يحلف ، فإن نكل عنها ثبت عجزه ، وأجل سنة في قول عامتهم ( فإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا ) في قول أكثر العلماء ; لأنه قد تجددت قدرته على الوطء ، فبطل كونه عنينا ; لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطء واحد ، فكذا هذا ، وأما الجب فقد تحقق به العجز ، فافترقا .

                                                                                                                          تنبيه : إذا أولج الحشفة في الفرج زالت عنته ، فإن كان مقطوعها كفاه تغييب قدرها من الباقي في الأصح ، وظاهره ولو في حيض أو إحرام ، نصره في " الشرح " ، وذكر القاضي أن قياس المذهب أنه لا يخرج منها ; لأنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول ، وأجيب بأنه وطء في محله ، فخرج منها كالمريضة ، والإخراج لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي ( فإن وطئها في الدبر ، أو وطئ غيرها ، لم تزل العنة ) جزم به في " الوجيز " وغيره ; لأن الدبر ليس محلا للوطء ، أشبه ما لو وطئ دون الفرج ; ولأن كل امرأة تعتبر في نفسها ; لأن [ ص: 104 ] الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها ، وهو موجود هنا وإن وطئ غيرها ، ( ويحتمل أن ينعقد ) هذا وجه حكاه في " المحرر " و " الفروع " ، روي عن سمرة ، وعمر بن عبد العزيز ; ولأن العنة جبلة ، فلا تختلف باختلاف المحل والنساء ; ولأن الوطء في الدبر أصعب ، فمن قدر عليه كان على غيره أقدر ، وهذا مختار ابن عقيل ومقتضى قول أبي بكر ، فعلى الأول : لو تزوج امرأة فأصابها ، ثم أبانها ، ثم تزوجها فعن عنها - فلها المطالبة ; لأنه إذا جاز عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون آخر أولى ; لأنها قد تطرأ به ، وعلى الثاني : لا يصح ، بل متى وطئ امرأة زالت عنته أبدا .

                                                                                                                          ( وإن ادعى أنه وطئها ، وقالت : إنها عذراء ، فشهد بذلك امرأة ثقة ، فالقول قولها ) ; لأن بكارتها أكذبت الزوج ; إذ الوطء مع بقاء البكارة متعذر ، ويقبل في بقاء عذرتها امرأة ثقة كالرضاع ، وعنه : ثقتان ، ويؤجل ، فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطء قبل قولها ; لأن هذا بعيد جدا ، وإن كان متصورا ، والأصح أنها تستحلف ( وإلا فالقول قوله ) أي : إذا لم يشهد لها أحد ; لأن الأصل السلامة وعدم العيب ، وكذا إذا ادعت أن عذرتها زالت بسبب آخر ; لأن الأصل عدمه ( وإن كانت ثيبا ، فالقول قوله ) مع يمينه إن ادعاه ابتداء ، وإن ادعاه بعد ثبوت عنته وتأجيله قبل قولها ; لأن هذا يتعذر إقامة البينة عليه ; ولأنه يدعي سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب ، والأصل السلامة ، فإن نكل قضي عليه بالنكول ، قال القاضي : ويتخرج أن لا يستحلف ( وعنه : القول قولها ) نقلها [ ص: 105 ] ابن منصور ، وحكاه القاضي في " المجرد " ; لأن الأصل عدم الإصابة ، فكان القول قولها مع يمينها ( وقال الخرقي : يخلى معها في بيت ، ويقال له : أخرج ماءك على شيء ، فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها ) نقله عن أحمد مهنا ، وأبو داود ، وأبو الحارث ، واختاره القاضي وأصحابه ; إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها ; إذ الغالب أن العنين لا ينزل ، فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها ، فيكون القول قوله مع يمينه ، ومع عدم الإنزال يظهر صدقها ، فيكون القول قولها ، ومع الإنزال إذا أنكرت أنه يختبر ، فيجعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ; لأن ذلك من علاماته ، وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض ، فإن ضعف عن إخراجه قبل قولها ; لأن الظاهر معها ، وذكر أبو بكر أنه يزوج امرأة لها دين وحظ من جمال ، فإن ذكرت أنه قربها كذبت الأولى ، وخيرت الثانية بين المقام معه أو فراقه ، ويكون صداقها في بيت المال ، وإن ذكرت أنه لا يقربها فرق بينه وبين الزوجتين ، ومهراهما في ماله ، واعتمد على ما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة ، فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها ، أنه كتب إلى معاوية فأمره بمثل ذلك .

                                                                                                                          فرع : إذا ادعت زوجة مجنون عنته ، ضربت له مدة عند ابن عقيل ، وهل يبطل بحدوثه فلا يفسخ الولي ؛ فيه خلاف .

                                                                                                                          أ



                                                                                                                          الخدمات العلمية