الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1672 [ ص: 204 ] باب الصدقة عمن مات، ولم يوص

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب وصول ثواب الصدقات، إلى الميت ) .

                                                                                                                              فيه: حديث عائشة "رضي الله عنها". وقد تقدم في كتاب الزكاة، في "باب الصدقة عن الأم الميتة". ولفظه:

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص83-84 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة؛ أن رجلا أتى النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها ولم توص. وأظنها لو تكلمت: تصدقت. أفلها أجر، إن تصدقت عنها ؟ قال "نعم" .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              وقد تقدم شرح هذا الحديث هناك أيضا. وهذا الحديث فيه ذكر الأم الميتة.

                                                                                                                              وأما الأب، فقد ورد فيه حديث أبي هريرة "رضي الله عنه"، عند مسلم، بلفظ: (أن رجلا قال للنبي "صلى الله عليه وآله وسلم": إن أبي مات وترك مالا، ولم يوص. فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال: "نعم. )

                                                                                                                              [ ص: 205 ] وفي هذين الحديثين: جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله وينفعه، وينفع المتصدق أيضا.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا كله أجمع عليه المسلمون، انتهى.

                                                                                                                              قال في جمع التشتيت: وأما وصول ثواب الصوم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "من مات وعليه صوم، صام عنه وليه".

                                                                                                                              وأما وصول ثواب الحج، ففي البخاري عن ابن عباس، بلفظ: (إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت. أفأحج عنها ؟ قال: "حجي عنها" ) .

                                                                                                                              وقد وقع الإجماع، على أن قضاء الدين عن الميت، من أي قاض قريب أو حبيب، من غير تركته أو منها: يسقطه عن ذمته.

                                                                                                                              وأجمعوا أيضا: أن الحي إذا كان له حق عند الميت، فأسقطه عنه وأبرأه: أنه ينفعه. وإذا انتفع بالإبراء والإسقاط: انتفع مما يهدى له من ثواب الأعمال.

                                                                                                                              قال: ويوضحه: أن العبادة ثلاثة أقسام؛ بدنية، ومالية، ومركبة منهما.

                                                                                                                              فنبه الشارع بوصول الصوم: على وصول سائر العبادات البدنية.

                                                                                                                              [ ص: 206 ] ونبه بوصول الصدقة: على وصول سائر العبادات المالية. ونبه بوصول الحج المركب منهما: على وصول ما كان كذلك.

                                                                                                                              فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار. ثم ذكر أدلة من منع من ذلك، وقال: فهذه اثنا عشر دليلا، قد أجبت عنها جميعها.

                                                                                                                              قال: وإذا انتهى بنا القول إلى هنا، علمت قوة القول بأنه يصل إلى الميت: كل ما أهداه له الحي: من قربة؛ من صلاة، وصيام، وتلاوة قرآن، وحج، وغير ذلك من كل ما يؤجر فيه العبد، ويجعله لأخيه من باب الإحسان والصلة والبر. وأحوج خلق الله إلى الصلة: هو الميت، رهين الثرى. الذي قد يتعذر عليه فعل كل طاعة. ثم إن إهداءه لأخيه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.

                                                                                                                              فمن أهدى إليه مثلا: ثواب صوم يوم، أو تلاوة قراءة جزء من القرآن: أعطاه الله تعالى أجر صوم عشرة أيام، وأجر تلاوة عشرة أجزاء.

                                                                                                                              ومن هنا يظهر: أن جعل طاعته لغيره: أفضل من ادخارها لنفسه. ولذا أقر "صلى الله عليه وآله وسلم" لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها. وقال له: "إذا تكفى همك". وقد فعله هذا الصحابي لأشرف خلق الله. ومن أين لك: أنه لم يفعل السلف ذلك ؟ فإنه لا يشترط في هذه الهبة: إشهاد الناس عليها، ولا إخبارهم بها.

                                                                                                                              وهب: أنه ما فعل هذا أحد منهم، فإنه لا يقدح فيهم. فإنه مندوب لا واجب. ولأنه قد ثبت لنا: دليل جواز فعله، سواء سبقنا إليه أحد [ ص: 207 ] أو لا. ثم إن ابن القيم، قد جعل من أدلة وصول الإهداء: الدعاء، والاستغفار، وصلاة الجنازة. وهذا كله قد فعل السلف له "صلى الله عليه وآله وسلم"، وأمرهم به، وأن يدعوا له بإتيان الفضيلة والوسيلة. وأمرهم: بالصلاة عليه، وهو دعاء مثله، مشروع إلى يوم الدين.

                                                                                                                              قال: وهذا عندنا شيء مقطوع به. فقد وصلنا جماعة من قرابتنا ومشائخنا "رحمهم الله تعالى": بصلات من دعاء، أو تلاوة، أو صدقة. ورأيناهم في المنام، شاكرين لما صنعناه. وظهر لنا نفعهم ما أسديناه.

                                                                                                                              قال عبد الحق: إن ابن عمر "رضي الله عنهما" أوصى: أن يقرأ عند قبره "سورة البقرة". وكان أحمد ينكر ذلك، فلما بلغه هذا الأثر: رجع عنه.

                                                                                                                              وعن الحجاج بن دينار يرفعه: "أن من البر بعد البر: أن تصلي عنهما، مع صلاتك. وأن تصوم عنهما مع صيامك. وأن تصدق عنهما مع صدقتك". أخرجه ابن أبي شيبة.

                                                                                                                              قال القرطبي: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : "اقرأوا على موتاكم يس" يحتمل: أن تكون هذه القراءة عند الميت، حال موته. ويحتمل: أن تكون عند قبره. قال السيوطي: وبالأول: قال الجمهور.

                                                                                                                              قلت: ورجحه ابن القيم "رحمه الله": بوجوه من الترجيحات.

                                                                                                                              [ ص: 208 ] وبالثاني: قال عبد الواحد المقدسي. قال: فهذه وأمثالها، من أحاديث مرفوعات، ومنامات صالحات: دالة على انتفاع الأموات مما يهدى لهم من الأحياء.

                                                                                                                              والمنامات، وإن كانت مجردها لا تكون دليلا، لكن كما قال العلامة ابن القيم: إنها على كثرتها، بحيث لا يحصيها إلا الله تعالى: قد تواطأت على هذا المعنى. وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم": "إن رؤياكم قد تواطأت على هذا. إنها في العشر الأواخر"، يعني: ليلة القدر. انتهى حاصله.




                                                                                                                              الخدمات العلمية