الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه لما أفسدت الأعاريب في سواد بغداد وأطرافها حملت العوام السلاح لقتالهم ، وكان ذلك سببا إلى كثرة العيارين وانتشارهم في محرم هذه السنة .

ووقع الإرجاف بأن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل وارد إلى بغداد فغلت الأسعار ، ثم ورد الخبر أن السلطان ألب أرسلان قبض على عميد الملك أبي نصر منصور بن محمد بن الكندري في عشية يوم السبت السابع من المحرم ، وأخذ ماله ، ثم أنفذ إلى مروالروذ واعتقل بها ، وخلع على وزيره نظام الملك أبي علي الحسين بن إسحاق الطوسي في ذلك اليوم ، وروسلت السيدة ابنة الخليفة في الحال بالإذن لها في المسير إلى بغداد ، وأنفذ إليها خمسة آلاف دينار للنفقة فأبت أن تقبل ، فقبح عليها أن ترد فقبلت ، ووصلت إلى بغداد عشية يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر ، واجتمع العوام لمشاهدة دخولها فدخلت ليلا ، وكان في صحبتها القاضي أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن ، فحضر بيت النوبة وسأل قاضي القضاة الدامغاني أن [ ص: 87 ] يكون جلوس هذا القاضي الوارد دونه فلم يجب ، وأمر أن يجلس على روشن بيت النوبة بمعزل من المجلس ، فقام هذا القاضي فخطب خطبة ، وصف فيها ألب أرسلان ، وشكر وزيره نظام الملك ، ثم جلس وسلم الكتب الواصلة معه وكانت كتابين إلى الخليفة ، وكتابا إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر بن جهير ، فخرج الجواب يتضمن شكر السلطان ألب أرسلان ، والاعتداد بخدمته في تسيير السيدة ، وتقدم إلى الخطباء بإقامة الدعوة ، فقيل في الدعاء: اللهم أصلح السلطان المعظم عضد الدولة ، وتاج الملة أبا شجاع ألب أرسلان محمد بن داود ، فبعث عشرة آلاف دينار وزنا ومائتي ثوب إبريسمية أنواعا ، وحوالة على الناظر ببغداد بعشرة آلاف أخرى ، وعشرة أفراس ، وعشرة بغلات ، وقيل للسلطان في أمر عميد الملك ، وأنه لا فائدة في بقائه ، فإنه غير مأمون أن يفسد ، فأمر بالمكاتبة إلى مقدم مروالروذ بقتله وصلبه ، وأنفذ ثلاثة غلمان لذلك .

وبيعت في هذا الزمان دار بنهر طابق بثلاثة قراريط ، وبيعت دار بواسط بدرهم .

وفي ربيع الأول: شاع ببغداد أن قوما من الأكراد خرجوا متصيدين فرأوا في البرية خيما سودا سمعوا فيها لطما شديدا ، وعويلا كبيرا ، وقائلا يقول: قد مات سيدوك ملك الجن ، وأي بلد لم يلطم به عليه ولم يقم فيه مأتم قلع أصله ، وأهلك أهله . فخرج النساء العواهر من حريم بغداد إلى المقابر يلطمن ثلاثة أيام ، ويخرقن ثيابهن وينشرن شعورهن ، وخرج رجال من السفساف يفعلون ذلك ، وفعل هذا في واسط وخوزستان من البلاد ، وكان هذا فنا من الحمق لم ينقل مثله .

ولما فرغت خلع السلطان سأل العميد أبو الحسن أن يجلس الخليفة جلوسا عاما لذلك ، فجلس يوم الخميس سابع جمادى الآخرة في البيت المستقبل بالتاج المشرف على دجلة ، وأوصل إليه الوزير فخر الملك ، وتقدم بإيصال العميد والقاضي أبي عمر فدخلا فشافههما بتولية عضد الدولة ، واستدعى اللواءين فعقدهما بيده ، وسلمت الخلع بحضرته ، ورتب للخروج بالخلع أبو الفوارس طراد الزينبي ، وأبو محمد التميمي ، وموفق الخادم ، وكتب معهم إلى السلطان كتاب بتوليته ، ولقب العميد شيخ [ ص: 88 ] الدولة ثقة الحضرتين ، ولقب نظام الملك قوام الدين والدولة رضى أمير المؤمنين ، وهو يذكر في تلك البلاد بخواجا بزرك .

[هجوم قوم من أصحاب عبد الصمد على أبي علي بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة]

وفي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان: هجم قوم من أصحاب عبد الصمد على أبي علي بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة فسبوه وشتموه لامتناعه من الصلاة في الجامع وتدريسه لهذا المذهب ، فقال لهم: لعن الله من لا يوثر الصلاة ، ولعن الله من يمنعني منها ويخيفني فيها؛ إيماء إليهم وإلى أمثالهم من العوام لما يعتقدونه في أهل هذا المذهب من استحلال الدم ، ونسبتهم إلى الكفر ، وأوقعوا به وجرحوه ، وصاح صياحا خافوا اجتماع [أهل الموضع] معه عليهم ، فتركوه ثم أغلق بابه ، واتصل اللعن للمعتزلة في جامع المنصور ، وجلس أبو سعد بن أبي عمامة فلعن المعتزلة .

وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من رمضان: جمع أبو عبد الله بن جردة البيع جمعا عظيما من الضعفاء ليتصدق عليهم ، فكثروا ، فمنعهم بواب باب المراتب فأثخنوه ضربا ، ففرق على نحو مائتي نفس قميصا ودرهمين درهمين ، ثم كثر الجمع وجاء النفاطون والركابية فخافهم على نفسه ، فرمى الثياب والدراهم عليهم ومضى ، فازدحموا فمات خمسة رجال وأربع نسوة ، وصار الرجل إذا لقي الرجل فيقول: كنت في وقعة ابن جردة . فيقول: نعم . فيقول: الحمد لله على سلامتك .

[غزاة السلطان أبي الفتح الروم]

وفي شوال: ورد الخبر بغزاة السلطان أبي الفتح الروم ، وأنه دخل بلدا عظيما كان لهم فيها سبعمائة ألف دار ، وألف بيعة ودير ، وقتل به ما لا يحصى ، وأسر خمسمائة ألف منهم .

وفي ذي القعدة: وكان تشرين الأول ، وامتد إلى تشرين الثاني: حدث وباء عظيم تفاقم بنهر الملك ، وتعدى إلى بغداد ، وكان فيها حر شديد ، وفساد هواء ، وزيادة إنداء ، وعدم التمر الهندي حتى بلغ الرطل منه أربع دنانير ، وكذلك الشيرخشك .

[ ص: 89 ]

وخلع في ذي القعدة على النقيب أبي الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله العلوي في بيت النوبة ، وقلد نقابة الطالبيين ، والحج ، والمظالم ، ولقب بالطاهر ذي المناقب ، وقرئ عهده في الموكب .

التالي السابق


الخدمات العلمية