الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 328 ] 203 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي عض ذراع رجل فانتزعها فسقطت ثنيتا العاض

1291 - حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال : أخبرنا سعيد وهو ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن عمران بن حصين أن رجلا عض آخر على ذراعه فجذبها ، فانتزعت ثنيتاه ، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أردت أن تأكل أو تقضم - شك سعيد - لحم أخيك كما يأكل أو يقضم الفحل . فأبطلها .

1292 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى سمعه يحدث عن عمران بن الحصين أن رجلا عض يد رجل فقال بيده [ ص: 329 ] هكذا ، ونزع يده ، فوقعت ثنيتاه . فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل ! لا دية لك .

1293 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثني أبو عامر العقدي قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن يعلى بن أمية أن رجلا عض يد رجل ، فانتزع يده من فيه ، فسقطت ثنيتا العاض . فارتفعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيعض أحدكم أخاه كما يعض البكر ؟ فأبطلها .



[ ص: 330 ]

1294 - حدثنا يونس قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح أن صفوان بن يعلى بن أمية حدثه عن يعلى بن أمية قال : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة العسرة ، وكانت أوثق أعمالي في نفسي . فكان لي أجير فقاتل إنسانا ، فعض أحدهما صاحبه ، فانتزع أصبعه فسقطت ثنيتاه . فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيتيه .

قال عطاء : حسبت أن صفوان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيدع يده في فيك فتقضمها كقضم الجمل . ؟

[ ص: 331 ]

1295 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، عن عميه سلمة بن أمية ويعلى بن أمية قالا : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ومعنا صاحب لنا ، فقاتل رجلا من المسلمين ، فعض الرجل ذراعه فجذبها من فيه فنزع ثنيته . فأتى الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمس العقل . فقال : ينطلق أحدكم إلى أخيه فيعضه عضيض الفحل ، ثم يأتي يطلب العقل ؟ لا عقل لها . فأبطلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 332 ] قال أبو جعفر : وفي حديث ابن إسحاق هذا ، عن عطاء ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان . وهذا من الخطإ غير مشكل ؛ لأن صفوان بن عبد الله بن صفوان رجل من قريش من بني جمح ، ويعلى صاحب هذا الحديث فليس من قريش من أنفسها ، وإنما هو حليف لها ، وهو رجل من بني تميم قديم السكنى بمكة .

ثم تأملنا هذا الحديث بعد وقوفنا على اختلاف أهل العلم في هذه الجناية المذكورة فيه ، وأن منهم من لا يبطل عقل ثنيتي العاض عن المعضوض ، منهم ابن أبي ليلى . وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب من أحوال شاهر السلاح ما قد ذكرناه فيه ، وأنه إنما حل للمشهور عليه دم الشاهر إذ كان الشاهر لو تم منه في الذي شهر عليه السلاح ما شهره عليه من أجله .

فقال قائل : فالعض مما لا قود فيه ؛ لأنه كسر للعظم المعضوض ؛ ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيدع يده في فيك فتقضمها كما يقضم الفحل ؟ فهذا دليل على أن فيها كسر العظم ، وكسر العظم لا قود فيها .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن القضم المذكور في هذا الحديث ليس هو كسر العظم كما توهم ؛ لأن القضم عند العرب هو القضم بأطراف الأسنان الذي لا يبلغ هذا ، وإنما الذي يبلغه عندهم هو الخضم وهو التمكن بالأسنان كلها ، فذلك مما قد [ ص: 333 ] يأتي على العظم .

ولما كان ما ذكرنا كما وصفنا كان القضم إنما يأتي على جلدة الذراع أو يتجاوزها إلى اللحم الذي بينها وبين العظم ، فإذا تجاوزها إلى ذلك أوضح العظم ، فعاد معناه في الذراع إلى معنى الموضحة في الرأس التي توضح العظم ، وفيها القود باتفاق المسلمين . فمثلها وضوح عظم الذراع ففيه القود أيضا .

ولما كان فيه القود إذا تم ذلك العقل كان للذي قصد به إليه إزالته عن نفسه ليصل بذلك إلى الواجب له فيما حل به منه ، ولو كان العاض مجنونا أو صبيا لم يبلغ فكان من المعضوض في ذلك مثل الذي ذكرنا في هذا الحديث ، كان على المعضوض قيمة ثناياه فقد وافق ما حملنا عليه ما في هذا الباب ما حملنا عليه ما في الباب الذي قبله . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية