الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون قوله تعالى : والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا قد تقدم في " النساء " معنى الهجرة ، وهي ترك الأوطان والأهل والقرابة في الله أو في دين الله ، وترك السيئات . وقيل : في بمعنى اللام ، أي لله .

من بعد ما ظلموا أي عذبوا في الله . نزلت في صهيب وبلال وخباب وعمار ، عذبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا ، فلما خلوهم هاجروا إلى المدينة ; قاله الكلبي . وقيل : نزلت في أبي جندل بن سهيل . وقال قتادة : المراد أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ; ثم بوأهم الله - تعالى - دار الهجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين . والآية تعم الجميع .

لنبوئنهم في الدنيا حسنة في الحسنة ستة أقوال :

الأول : نزول المدينة ; قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة .

الثاني : الرزق الحسن ; قاله مجاهد .

الثالث : النصر على عدوهم ; قاله الضحاك .

الرابع : إنه لسان صدق ; حكاه ابن جريج .

الخامس : ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من [ ص: 97 ] الولايات .

السادس : ما بقي لهم في الدنيا من الثناء ، وما صار فيها لأولادهم من الشرف . وكل ذلك اجتمع لهم بفضل الله ، والحمد لله .

ولأجر الآخرة أكبر أي ولأجر دار الآخرة أكبر ، أي أكبر من أن يعلمه أحد قبل أن يشاهده ; وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا

لو كانوا يعلمون أي لو كان هؤلاء الظالمون يعلمون ذلك . وقيل : هو راجع إلى المؤمنين . أي لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا . وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا دفع إلى المهاجرين العطاء قال : هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما ادخر لكم في الآخرة أكثر ; ثم تلا عليهم هذه الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية