الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أن السيدة أرسلان خاتون زوجة الخليفة دخلت إلى بغداد في جمادى الأولى ، وخرج الناس لتلقيها ، واستقبلها الوزير فخر الدولة على نحو فرسخ ، وخدمها بالدعاء على ظهر فرسه ، وحضر العميد أبو سعد المستوفي في بيت النوبة حتى قرئت الكتب الواردة في هذه الصحبة ، وهي مشتملة على التمسك بالطاعة ، والتصرف على قوانين الخدمة ، والإجابة إلى المرسوم ، وخوطب فيها الوزير بالوزير الأجل بعد أن كان يكتب إليه: الرئيس الأجل .

[بناء مشهد الإمام أبي حنيفة]

وفي هذه الأيام بنى أبو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ، وعمل لقبره ملبنا ، وعقد القبة ، وعمل المدرسة بإزائه ، وأنزلها الفقهاء ، ورتب لهم مدرسا ، فدخل أبو جعفر بن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالا:


ألم تر أن العلم كان مضيعا فجمعه هذا المغيب في اللحد     كذلك كانت هذه الأرض ميتة
فأنشرها جود العميد أبي سعد

قال المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن أبي عقيل قال: وضع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره ، فجمع سنة ست وثلاثين [ ص: 101 ] وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر ، وكان المنفق عليه تركيا قدم حاجا ، ثم قدم أبو سعد المستوفي ، وكان حنفيا متعصبا ، وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض الأمراء التركمان ، وكان قبل ذلك وأنا صبي عليه خربشت خاصا له ، وذلك في سنتي سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغز بغداد سنة سبع وأربعين ، فلما جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه ، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر ، وبنى هذا المشهد ، فجاء بالقطاعين والمهندسين ، وقدر لها ما بين ألوف آجر ، وابتاع دورا من جوار المشهد ، وحفر أساس القبة ، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فلم يبلغوا إليها إلا بعد حفر سبعة عشر ذراعا في ستة عشر يوما ، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صن ، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكا لقوم ، فحفر لها ودفنت ، وخرج في ذلك الأساس شخص منتظم العظام له ريح كريح الكافور .

قال ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعل النعمان قد خرجت عظامه في هذه العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود .

قال: فبعث شرف الملك إلى أبي منصور بن يوسف شاكيا مني وطالبا منه مقابلتي على ذلك ، فكان غاية ما قال لي بعد أن أحضرني في خلوة: يا سيدي ، ما نعلم كيف حالنا مع هؤلاء الأعاجم والدولة لهم؟ فقلت: يا سيدي ، رأيت منكرا فاشيا فما ملت نفرتي الدينية .

قال ابن عقيل: وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين ، وساجه وأبوابه غصب من بعض بيع سامرا ، فما عند هؤلاء من الدين خبر .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: سمعت أبا الحسين بن المهتدي يقول: لا يصح أن قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة ، وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية