الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 453 ]

382

ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

ذكر عود الديلم إلى الموصل

كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل ، فملكها آخر سنة إحدى وثمانين [ وثلاثمائة ] ، فاجتمعت عقيل ، وأميرهم أبو الذواد محمد بن المسيب ، على حربه ، فجرى بينهم عدة وقائع ظهر من أبي جعفر فيها بأس شديد ، حتى إنه كان يضع له كرسيا بين الصفين ويجلس عليه ، فهابه العرب ، واستمد من بهاء الدولة عسكرا ، فأمده بالوزير أبي القاسم علي بن أحمد ، وكان مسيره أول هذه السنة ، فلما وصل إلى العسكر كتب بهاء الدولة إلى أبي جعفر بالقبض عليه ، فعلم أبو جعفر أنه إن قبض عليه اختلف العسكر ، وظفر به العرب ، فتراجع في أمره .

وكان سبب ذلك أن ابن المعلم كان عدوا له ، فسعى به عند بهاء الدولة ، فأمر بقبضه ، كان بهاء الدولة أذنا يسمع ما يقال له ويفعل به ، وعلم الوزير الخبر ، فشرع في صلح أبي الذواد وأخذ رهائنه والعود إلى بغداذ ، فأشار عليه أصحابه باللحاق بأبي الذواد ، فلم يفعل أنفة ، وحسن عهد ، فلما وصل إلى بغداذ رأى ابن المعلم قد قبض وقتل وكفي شره .

ولما أتاه خبر قبض ابن المعلم وقتله ظهر عليه الانكسار ، فقال له خواصه : ما هذا الهم وقد كفيت شر عدوك فقال : إن ملكا قرب رجلا كما قرب بهاء الدولة ابن المعلم ، ثم فعل به هذا ، لحقيق بأن تخاف ملابسته .

[ ص: 454 ] وكان بهاء الدولة قد أرسل الشريف أبا أحمد الموسوي رسولا إلى أبي الذواد ، فأسره العرب ، ثم أطلقوه ، فورد إلى الموصل وانحدر إلى بغداذ .

ذكر تسليم الطائع إلى القادر وما فعله معه

في هذه السنة ، في رجب ، سلم بهاء الدولة الطائع لله إلى القادر بالله ، فأنزله حجرة من خاص حجره ، ووكل به من ثقات خدمه من يقوم بخدمته ، وأحسن ضيافته ، وكان يطلب الزيادة في الخدمة كما كان أيام الخلافة ، فيؤمر له بذلك .

حكي عنه أن القادر بالله أرسل إليه طيبا فقال : من هذا يتطيب أبو العباس ؟ يعني القادر ، فقالوا : نعم فقال : قولوا له عني : في الموضع الفلاني كندوج فيه مما كنت أستعمله ، فليرسل إلي بعضه ويأخذ الباقي لنفسه . ففعل ذلك .

وأرسل إليه يوما القادر بالله عدسية ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : عدس وسلق ، فقال : أو قد أكل أبو العباس من هذا ؟ قالوا : نعم قال : قولوا له عني : لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت ، فما كانت العدسية تعوزك ، ولم تقلدت هذا الأمر ؟ فأمر حينئذ القادر أن يفرد له جارية من طباخاته تطبخ له ما يلتمسه كل يوم ، فأقام على هذا إلى أن توفي .

ذكر عدة حوادث في هذه السنة قبض بهاء الدولة على أبى الحسن بن المعلم ، وكان قد استولى على الأمور كلها ، وخدمه الناس كلهم ، حتى الوزراء ، فأساء السيرة مع الناس ، فشغب الجند في هذا الوقت ، وشكوا منه ، وطلبوا منه تسليمه إليهم ، فراجعهم بهاء الدولة ، ووعدهم كف يده عنهم ، فلم يقبلوا منه ، فقبض عليه وعلى جميع أصحابه ، [ ص: 455 ] فظن أن الجند يرجعون ، فلم يرجعوا ، فسلمه إليهم ، فسقوه السم مرتين ، فلم يعمل فيه شيئا ، فخنقوه ودفنوه .

وفيها ، في شوال ، تجددت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم ، واشتد الحال ، فركب أبو الفتح محمد بن الحسن الحاجب ، فقتل وصلب ، فسكن البلد .

وفيها غلت الأسعار ببغداذ ، فبيع رطل الخبز بأربعين درهما .

وفيها قبض بهاء الدولة على وزيره أبي القاسم علي بن أحمد المذكور ، وكان سبب قبضه أن بهاء الدولة اتهمه بمكاتبة الجند في أمر ابن المعلم ، واستوزر أبا نصر بن سابور ، وأبا منصور بن صالحان ، وجمع بينهما في الوزارة .

وفيها قبض صمصام الدولة على وزيره أبي القاسم العلاء بن الحسن بشيراز ، وكان غالبا على أمره ، وبقي محبوسا إلى سنة ثلاث وثمانين [ وثلاثمائة ] ، فأخرجه صمصام الدولة واستوزره ، وكان يدبر الأمر مدة حبسه أبو القاسم المدلجي .

وفيها نزل ملك الروم بأرمينية ، وحصر خلاط ، وملازكرد ، وأرجيش ، فضعفت نفوس الناس عنه ، ثم هادنه أبو علي الحسن بن مروان مدة عشر سنين ، وعاد ملك الروم .

وفيها ، في شوال ، ولد الأمير أبو الفضل بن القادر بالله .

وفيها سار بغراخان أيلك ، ملك الترك ، بعساكره إلى بخارى ، فسير إليه الأمير نوح بن منصور جيشا كثيرا ولقيهم أيلك وهزمهم ، فعادوا إلى بخارى مفلولين ، وهو [ ص: 456 ] في أثرهم ، فخرج نوح بنفسه وسائر عسكره ، ولقيه فاقتتلوا قتالا شديدا وأجلت المعركة عن هزيمة أيلك ، فعاد منهزما إلى بلاساغون ، وهي كرسي مملكته .

[ الوفيات ]

وفيها توفي أبو عمرو محمد بن العباس بن حيويه الخزاز ، ومولده سنة خمس وتسعين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية