الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل [ ص: 30 ] يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون

                                                                                                                                                                                                "وقالوا " قيل القائل أبي بن خلف ، ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعا . وقرئ : (أئنا ) و (أنا ) ، على الاستفهام وتركه "ضللنا " صرنا ترابا ، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض ، لا نتميز منه ، كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الأرض بالدفن فيها ، من قوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                وآب مضلوه بعين جلية



                                                                                                                                                                                                وقرأ علي وابن عباس -رضي الله عنهما - : (ضللنا ) ، بكسر اللام . يقال : ضل يضل وضل يضل . وقرأ الحسن -رضي الله عنه - : صللنا ، من صل اللحم وأصل : إذا أنتن . وقيل : صرنا من جنس الصلة وهي الأرض . فإن قلت : بم انتصب الظرف في أإذا ضللنا ؟ قلت : بما يدل عليه أإنا لفي خلق جديد وهو نبعث . أو يجدد خلقنا . لقاء ربهم : هو الوصول إلى العاقبة ، من تلقي ملك الموت وما وراءه ، فلما ذكر كفرهم بالإنشاء ، أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر ، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة ، لا بالإنشاء وحده . ألا ترى كيف خوطبوا بتوفى ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء ، وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا والتوفى : استيفاء النفس وهي الروح . قال الله تعالى : الله يتوفى الأنفس [الزمر : 42 ] وقال : أخرجوا أنفسكم ، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء . من قولك : توفيت حقي من فلان ، واستوفيته إذا أخذته وافيا كاملا من غير نقصان . والتفعل والاستفعال : يلتقيان في مواضع : منها : تقصيته واستقصيته ، وتعجلته واستعجلته . وعن مجاهد -رضي الله عنه - : حويت لملك الموت الأرض ، وجعلت له مثل الطست ، يتناول منها حيث يشاء . وعن قتادة : يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة . وقيل : ملك الموت : يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية