الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بدأ - سبحانه - بالوعيد؛ لطفا بالمكلفين؛ عطف على "اذهب"؛ قوله - ممثلا حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع بقوم؛ فصوت بهم صوتا؛ يستفزهم من أماكنهم؛ ويقلعهم عن مراكزهم؛ وأجلب عليهم بجنده؛ من خيالة؛ ورجالة؛ حتى استأصلهم -: واستفزز ؛ أي: استخف؛ و"الفز"؛ أصله: القطع؛ أي: استزله بقطعه عن الصواب؛ قاله الرماني؛ من استطعت منهم ؛ وهم الذين سلطناك عليهم؛ بصوتك ؛ أي: دعائك بالغنا؛ والمزامير؛ وكل ما تزينه بالوساوس؛ وأجلب ؛ أي: اجمع؛ أو سق بغاية ما يمكنك من الصياح؛ عليهم بخيلك ؛ أي: ركبان جندك؛ ورجلك ؛ أي: ومشاتهم; والمعنى: افعل جميع ما تقدر عليه؛ ولا تدع شيئا من قوتك؛ فإنك لا تقدر على شيء لم أقدره لك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الشيطان طالبا شركة الناس في جميع أمورهم؛ بوساوسه الحاملة [ ص: 470 ] لهم على إفسادها؛ فإن أطاعوه كانوا طالبين لأن يشركوه؛ وإن كانوا لا شعور لهم بذلك؛ عبر بصيغة المفاعلة؛ فقال (تعالى): وشاركهم ؛ أي: بوثوبك على مخالطتهم عندما يشاركونك بفعل ما يوافق هواك؛ في الأموال ؛ أي: التي يسعون في تحصيلها؛ والأولاد ؛ أي: التي ينسلونها؛ إن اقتنوها بوجه محرم؛ أو لم يذكروا اسمي عليها؛ وكذا قرابينهم لغير الله؛ وإنفاقهم في المحرمات؛ وتعليمهم أولادهم المعاصي؛ والكفر؛ مشاركة فيها؛ وعدهم ؛ من المواعيد الباطلة ما يستخفهم؛ ويغرهم؛ من شفاعة الآلهة؛ والكرامة على الله (تعالى) ؛ وتسويف التوبة؛ ونحو ذلك; ثم التفت إلى الصالحين من عباده؛ فأخبرهم؛ تثبيتا لهم؛ وتنبيها لغيرهم؛ على أنه ليس بيده شيء؛ فقال (تعالى) - مظهرا لضميره؛ بما يدل على تحقيره؛ تقبيحا لأمره؛ وتنفيرا منه -: وما يعدهم الشيطان ؛ أي: المحترق؛ المطرود باللعنة؛ من عدم البعث؛ وطول الأجل؛ وشفاعة الآلهة؛ ونحو ذلك؛ إلا غرورا ؛ و"الغرور": تزيين الخطإ؛ بما يوهم أنه صواب؛

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية