الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وإن أسلم كافر ، وتحته أكثر من أربع نسوة ، فأسلمن معه ، اختار منهن أربعا ، وفارق سائرهن ، فإن لم يختر ، أجبر عليه ، وعليه نفقتهن إلى أن يختار ، فإن طلق إحداهن أو وطئها كان اختيارا لها ، وإن طلق الجميع ثلاثا ، أقرع بينهن ، فأخرج بالقرعة أربعا منهن ، وله نكاح البواقي ، وإن ظاهر أو آلى من إحداهن ، فهل يكون اختيارا لها ؛ على وجهين ، وإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة ، ويحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين من ذلك ، أو ثلاثة قروء ، والميراث لأربع منهن بالقرعة ، وإن أسلم وتحته أختان ، اختار منهما واحدة ، وإن كانتا أما وبنتا ، فسد نكاح الأم ، وإن كان دخل بالأم ، فسد نكاحهما .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة ، فأسلمن معه ) وكن كتابيات ( اختار منهن ) ولو كان محرما بحج أو عمرة ، خلافا للقاضي ( أربعا ) ولو من شاب إن كان مكلفا وإلا وقف الأمر حتى يكلف ( وفارق سائرهن ) ; لقوله عليه السلام لغيلان بن سلمة - وقد أسلم على عشر نسوة فأسلمن معه - فأمره أن يختار [ ص: 124 ] منهن أربعا رواه الترمذي وابن ماجه ، وفي لفظ اختر منهن أربعا وفارق سائرهن روى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث معناه ، وهو من رواية محمد بن أبي ليلى ، عن حميضة بن الشمردل ، وقد ضعفا ، وسواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود ، اختار الأوائل أو الأواخر ، ولفظ الاختيار نحو : اخترت هؤلاء أو أمسكتهن ، أو اخترت حبسهن أو نكاحهن ، أو أمسكت هؤلاء ، أو تركت هؤلاء ، فإن أسقط " اخترت " ، فظاهر كلام بعضهم : يلزمه فراق بقيتهن ، والمهر لمن انفسخ نكاحها بالاختيار ، ولا مدخل للقرعة هنا ; لأنها قد تقع على من لا يحبها ، فيفضي إلى تنفيره ، ولا يصح تعليقها بشرط ، وعدة المتروكات منذ اختار ; لأن البينونة الحقيقية حصلت به ، وقيل : منذ أسلم ; لأن البينونة الحقيقية حصلت بالإسلام ، وإنما الاختيار بين محلها ، فإن أسلم البعض وليس الباقي كتابيات - ملك إمساكا وفسخا في مسلمة فقط ، وله تعجيل إمساك مطلقا ، وتأخيره حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن ( فإن لم يختر أجبر عليه ) ; لأنه حق عليه ، يمكنه فعله وهو يمتنع منه ، فأجبر عليه كإيفاء الدين ، وظاهره أنه يجبر عليه بحبس ، ثم تعزير ، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولى ; لأن الحق هنا لغير معين ( وعليه نفقتهن إلى أن يختار ) ; لأنهن محبوسات عليه ، وهن في حكم الزوجات ( فإن طلق إحداهن ) فقد اختارها في الأصح ; لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة ، فإن قال : فارقت ، أو اخترت هؤلاء ، فإن لم ينو به الطلاق كان اختيارا لغيرهن للخبر ; لأنه يدل على أن لفظ الفراق صريح فيه ، وقيل : اختيار للمفارقات عند الإطلاق ، والأول أولى ، واختار في " الترغيب " أن لفظ الفراق هنا ليس طلاقا ولا اختيارا للخبر [ ص: 125 ] فإن نوى به طلاقا كان طلاقا واختيارا ( أو وطئها كان اختيارا لها ) في قياس المذهب ; لأنه لا يجوز إلا في ملك كوطء الجارية المبيعة بشرط الخيار ، وفي " الواضح " وجه كرجعة بناء على أن الوطء في حق المطلقة الرجعية لا يوجب الرجعة ( وإن طلق الجميع ثلاثا ، أقرع بينهن ، فأخرج بالقرعة أربعا منهن ) ; لأن ذلك فائدة الإقراع ( وله نكاح البواقي ) ; لأنهن لم يطلقن منه ، وشرطه أن تنقضي عدة المطلقات ، ذكره في " المغني " و " الشرح " ، لئلا يكون جامعا بين أكثر من أربع ، وقيل : لا قرعة ، ويحرمن إلا بعد زوج ، وإن وطئ الكل تعين الأول .

                                                                                                                          فرع : أسلم ثم طلق الجميع ، ثم أسلمن في العدة ، اختار منهن أربعا ، فإذا اختار تبينا أن طلاقه وقع بهن ; لأنهن زوجات ، ويعتددن من حين طلاقه ، وبان البواقي باختياره لغيرهن ، ولا يقع بهن طلاقه ، وله نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات ، والفرق بينها وبين التي قبلها أن طلاقهن قبل إسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه ، فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ .

                                                                                                                          ( وإن ظاهر أو آلى من إحداهن ، فهل يكون اختيارا لها ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " ، أحدهما : لا يكون اختيارا ، جزم به في " الكافي " و " الوجيز " ; لأنه يصح في غير زوجته .

                                                                                                                          والثاني : بلى ; لأن حكمه لا يثبت في غير زوجه ، فإن قذفها لم يكن اختيارا ( وإن مات ) ولم يختر ( فعلى الجميع عدة الوفاة ) قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الزوجات لم يتعين منهن ( ويحتمل أن يلزمهن أطول [ ص: 126 ] الأمرين من ذلك أو ثلاثة قروء ) وقاله القاضي في " المجرد " ، وإن كانت حاملا فعدتها بوضعه ; لأن ذلك تنقضي به العدة بكل حال ، وإن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة ; لأنها أطول العدتين في حقها ، وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت أطول الأجلين من ثلاثة أقراء ، أو أربعة أشهر وعشرا ; لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة وعدتها عدة الوفاة ، أو مفارقة ، وعدتها ثلاثة قروء ، فأوجبنا أطولهما لتقضى به العدة بيقين ، كما لو نسي صلاة من خمس ، ذكره في " المغني " و " الكافي " ، وقال في الشرح عن القول الأول : لا يصح ، وحكاهما في " الفروع " قولين من غير ترجيح ( والميراث لأربع منهن بالقرعة ) في قياس المذهب ; لأن الميراث بالزوجية ولا زوجية فيما زاد على الأربع ، فإن اخترن الصلح جاز كيفما اصطلحن .

                                                                                                                          فرع : إذا أسلمن معه ثم متن قبل اختياره ، فله أن يختار منهن ، ويكون له ميراثهن ، ولا يرث الباقيات ، وإن مات بعضهن فله الاختيار من الأحياء والأموات ، ولو أسلم بعضهن فمتن ثم أسلم البواقي فله الاختيار من الجميع ، وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في الميتات ، وإن وطئ الجميع قبل إسلامهن ، ثم أسلمن ، فاختار أربعا فليس لهن إلا المسمى ، ولسائرهن المسمى بالعقد الأول ، ومهر المثل للوطء الثاني ، وإن وطئهن بعد إسلامهن فالموطوءات أولا المختارات ، والباقي أجنبيات ، والحكم في المهر على ما تقدم .

                                                                                                                          ( وإن أسلم وتحته أختان ، اختار منهما واحدة ) ; لما روى الضحاك بن فيروز ، عن أبيه قال : أسلمت وعندي امرأتان أختان ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اختر أيتهما شئت رواه الترمذي ، وفي رواية أحمد ، وأبي داود ، قال : فأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أطلق إحداهما ; ولأن أنكحة الكفار صحيحة ، وإنما حرم الجمع في الإسلام [ ص: 127 ] ما لو طلق إحداهما قبل إسلامه ، ثم أسلم والأخرى في حباله ، وكذا الحكم في المرأة وعمتها أو خالتها ; لأن المعنى في الجميع واحد ، وإن أسلمت إحداهما معه قبل المسيس ، تعينت ، وقيل : إن لم تكن الأخرى كتابية ( وإن كانتا أما وبنتا فسد نكاح الأم ) وحرمت على الأبد ; لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما رجل نكح امرأة ، دخل بها أو لم يدخل ، فلا تحل له أمها رواه ابن ماجه ; ولأنها من أمهات نسائه ، فيدخل في عموم قوله تعالى : وأمهات نسائكم [ النساء : 23 ] ; ولأنها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه ( وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما ) وحرمتا على الأبد ، حكاه ابن المنذر إجماعا ، والمهر للأم ، قاله في " الترغيب " وغيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية