الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم

جملة مبينة لجملة وهم في غفلة معرضون لبيان تمكن الغفلة منهم وإعراضهم ، بأنهم إذا سمعوا في القرآن تذكيرا لهم بالنظر والاستدلال اشتغلوا عنه باللعب واللهو فلم يفقهوا معانيه وكان حظهم منه سماع ألفاظه كقوله تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون في سورة البقرة .

والذكر : القرآن ، أطلق عليه اسم الذكر الذي هو مصدر لإفادة قوة وصفه بالتذكير .

والمحدث : الجديد ، أي الجديد نزوله متكررا ، وهو كناية عن عدم انتفاعهم بالذكر كلما جاءهم ، بحيث لا يزالون بحاجة إلى إعادة التذكير وإحداثه مع قطع معذرتهم ؛ لأنه لو كانوا سمعوا ذكرا واحدا فلم يعبئوا به لانتحلوا لأنفسهم عذرا كانوا ساعتئذ في غفلة . فلما تكرر حدثان إتيانه تبين لكل منصف أنهم معرضون عنه صدا . ونظير هذا قوله تعالى : وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين في سورة الشعراء ، وليس المراد بـ " محدث " ما قابل القديم في اصطلاح علم الكلام ؛ لعدم مناسبته لسياق النظم .

[ ص: 12 ] ومسألة صفة كلام الله تعالى تقدم الخوض فيها عند قوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما في سورة النساء . وجملة " استمعوه " حال من ضمير النصب في " يأتيهم " ، وهذا الحال مستثنى من عموم أحوال أي ما يأتيهم ذكر في حال إلا في حال استماعهم . وجملة " وهم يلعبون " حال لازمة من ضمير الرفع في " استمعوه " مقيدة لجملة " استمعوه " ؛ لأن جملة " استمعوه " حال باعتبار أنها مقيدة بحال أخرى هي المقصودة من التقييد ، وإلا لصار الكلام ثناء عليهم . وفائدة هذا الترتيب بين الجملتين الحاليتين الزيادة لقطع معذرتهم المستفاد من قوله : " محدث " كما علمت .

و لاهية قلوبهم حال من المبتدأ في جملة وهم يلعبون وهي احتراس لجملة " استمعوه " أي استماعا لا وعي معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية