الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 499 ] ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة والسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب قد عزم على الدخول إلى بلاد الشام ; لأجل حفظه من أيدي الفرنج المخذول ، ولكن قد دهمه أمر شغله عنه ; وذلك أن الفرنج قدموا إلى الساحل المصري في أسطول لم يسمع بمثله ; في كثرة مراكبه وما فيه من آلات الحصار ، وكثرة الرجال والمقاتلة ; من جملة ذلك مائتا شيني في كل منها مائة وخمسون مقاتلا وأربعمائة قطعة أخرى ، وكان قدومهم من صقلية إلى ظاهر إسكندرية قبل رأس السنة بأربعة أيام ، فنصبوا المنجنيقات والدبابات حول البلد ، وبرز إليهم أهلها فقاتلوهم دونها قتالا شديدا ، واستمر القتال أياما ، وقتل من كلا الفريقين خلق كثير ، ثم اتفق أهل البلد على تحريق ما نصبوه من المنجنيقات والدبابات ، ففعلوا ذلك فأضعف ذلك قلوب الفرنج ، ثم كبسهم المسلمون في منازلهم فقتلوا منهم جماعة وغنموا منهم ما أرادوا فانهزم الفرنج في كل وجه ، ولم يكن لهم ملجأ إلا البحر أو القتل أو الأسر ، واستحوذ المسلمون على أموالهم وأثقالهم وخيولهم وخيامهم - وبالجملة قتلوا خلقا من الرجال وغنموا شيئا كثيرا من الأموال - وركب من بقي منهم في الأسطول راجعين إلى بلادهم خائبين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما عوق الملك الناصر عن الشام أيضا ، أن رجلا يعرف بالكنز - سماه [ ص: 500 ] بعضهم عباس بن شادي - وكان من مقدمي الديار المصرية ومن الدولة الفاطمية - وإنما هي العبيدية - كان قد انتزح إلى أسوان ، وجعل يجمع عليه الناس ، فاجتمع عليه خلق كثير من الرعاع من الحاضرة والعربان ، وكان يزعم لهم أنه سيعيد الدولة الفاطمية ويدحض الأتابكة التركية فالتف عليه خلق كثير وجم غفير ، ثم قصد قوص وأعمالها ، وقتل طائفة من أمرائها ورجالها ، فجرد إليه الملك صلاح الدين طائفة من الجيش المصري ، وأمر عليهم أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر الكردي ، فلما التقيا هزمه أبو بكر ، وأسر أهله وقتله كما جرى لمقدم بني حنيفة ، ولهذا جعل الله دولة بني أيوب عالية منيفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية