الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 296 ] ( فصل ) مستند الصحابي نوعان . أحدهما لا خلاف فيه ، لكونه لا يحتمل غير ما يدل عليه اللفظ لصراحته ، وهو المشار إليه بقوله ( أعلى مستند صحابي : حدثني ) رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكذا أو أخبرني ، أو شافهني وسمعته يقول كذا ( ورأيته يفعل ) كذا ( ونحوهما ) كحضرت أو شاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا ، أو يفعل كذا ، وإنما كان هذا أعلى النوعين ، لكونه يدل على عدم الواسطة بينهما قطعا . النوع الثاني : ما فيه خلاف لكونه يحتمل وجود الواسطة بينهما لعدم صراحته . وإلى ذلك أشير بقوله ( ويحمل ) أي قول الصحابي ( قال ) النبي صلى الله عليه وسلم كذا ( و ) قول الصحابي ( فعل ) رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ( ونحوهما ) كأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم على كذا ( وعنه ) كقول الصحابي : أقول ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( و ) كقوله ( إنه ) أي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا ، أو قال كذا ( على الاتصال ) أي يحمل على أنه لا واسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح الذي عليه أصحابنا وأكثر العلماء . ويكون ذلك حكما شرعيا يجب العمل به ; لأنه الظاهر من حال الصحابي القائل ذلك . وخالف في ذلك أبو الخطاب من أصحابنا وجمع من العلماء . فقالوا : لا يحمل على السماع لاحتماله وتردده بين سماعه منه ومن غيره ( و ) قول الصحابي ( أمر ) النبي صلى الله عليه وسلم بكذا ( ونهى ) النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا ( وأمرنا ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ( ونهانا ) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا ( وأمرنا ) بالبناء للمفعول بكذا ( ونهينا ) بالبناء للمفعول عن كذا ( ورخص لنا ) في كذا ، وأبيح لنا كذا ( وحرم علينا ) كذا ( ومن السنة ) كذا وكذا . وقوله : جرت السنة أو مضت السنة بكذا . كقول علي رضي الله عنه { من السنة : وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة } رواه أبو داود . وقول أنس { من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا } - الحديث متفق عليه ( وكنا نفعل ) [ ص: 297 ] كذا أو نقول كذا ، أو نرى كذا على عهده صلى الله عليه وسلم ( وكانوا يفعلون كذا على عهده صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ) كقوله : كان الأمر على ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ( حجة ) يعني أن حكم ذلك حكم قول الصحابي " قال النبي صلى الله عليه وسلم " لكنه في الدلالة دون ذلك ، لاحتمال الواسطة أو اعتقاد ما ليس بأمر ولا نهي : أمرا أو نهيا ، لكن الظاهر أنه لم يصرح بنقل الأمر إلا بعد جزمه بوجود حقيقته ، ومعرفة الأمر مستفادة من اللغة وهم أهلها ، فلا تخفى عليهم . ثم إنهم لم يكن بينهم في صيغة الأمر ونحوها خلاف ، وخلافنا فيه لا يستلزمه . فعلى هذا يكون حجة ، ورجعت إليه الصحابة وهو الصحيح . وعليه جماهير العلماء .

وخالف بعض المتكلمين في ذلك ، وخالف الصيرفي والباقلاني وأبو بكر الرازي والكرخي الحنفيان ، والإسماعيلي وإمام الحرمين ، ونقله ابن القطان عن نص الشافعي في الجديد في نحو قوله " أمرنا ونهينا " لاحتمال أن الآمر غير النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الناهي . وأجيب عن ذلك : بأن قول الصحابي ذلك : يدل على أنه في معرض الاحتجاج ، فيحمل على صدوره ممن يحتج بقوله ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم . فإنه هو الذي يصدر عنه الأمر والنهي والتحريم والترخيص تبليغا عن الله سبحانه وتعالى ، وإن كان يحتمل أنه من بعض الخلفاء ، لكنه بعيد . فإن المشرع لذلك هو صاحب الشرع ( وقول غير الصحابي عنه ) أي عن الصحابي إذا روى عنه حديثا ( يرفعه ) أي الصحابي ( أو ينميه ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( أو يبلغ به ) النبي صلى الله عليه وسلم ( أو يرويه ) عن النبي صلى الله عليه وسلم ( كمرفوع صريحا ) عند العلماء . قال ابن الصلاح : حكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا . وذلك كقول سعيد بن جبير عن ابن عباس { الشفاء في ثلاث : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكية نار } ثم قال " رفع الحديث " رواه البخاري . وكحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به . قال : { الناس تبع لقريش } وغيره كثير . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رواية { تقاتلون [ ص: 298 ] قوما } - الحديث " وروى مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة } . قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك " قال مالك : هذا لفظ رواية عبد الله بن يوسف . ورواه البخاري من طريق القعنبي عن مالك . فقال " ينمى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه

التالي السابق


الخدمات العلمية