الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعة من الحنابلة ، واصطلحوا ، ولم يحضر الشريف أبو جعفر الديوان يومئذ لأجل ما جرى منه فيما يتعلق بإنكار المواخير على ما سبق ذكره ، فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه ، وكانت نسخة ما كتب به ابن عقيل خطه ونسب إلى توبته: بسم الله الرحمن الرحيم ، يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره ، ومن صحبة أربابه ، وتعظيم أصحابه ، والترحم على أسلافهم ، والتكثر بأخلافهم ، وما كنت علقته ووجد خطي به من مذاهبهم وضلالاتهم ، فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته ، [وأنه لا تحل كتابته] ولا قراءته ولا اعتقاده ، وأني علقت مسألة الليل في جملة ذلك ، وأن قوما قالوا: هو أجسام سود ، وقلت: الصحيح ما سمعت من الشيخ أبي علي ، وأنه قال: هو عدم ، ولا يسمى جسما ولا شيئا أصلا ، واعتقدت أنا ذلك ، وأنا تائب إلى الله تعالى منه ، واعتقدت في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات ، ونصرت ذلك في جزء عملته ، وأنا تائب إلى الله تعالى منه ، وأنه قتل [ ص: 144 ] بإجماع فقهاء عصره ، وأصابوا في ذلك ، وأخطأ هو ، ومع ذلك فإني أستغفر الله تعالى وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة والمعتزلة وغيرهم ، ومكاثرتهم ، والترحم عليهم ، والتعظيم لهم ، فإن ذلك كله حرام ، ولا يحل لمسلم فعله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" .

وقد كان الشريف أبو جعفر ومن معه من الشيوخ والأتباع ساداتي وإخواني -حرسهم الله - مصيبين في الإنكار علي لما شاهدوه بخطي في الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها ، وأتحقق أني كتبت مخطئا وغير مصيب ، ومتى حفظ علي ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وإبعاد وغير ذلك ، فأشهدت الله تعالى وملائكته وأولي العلم على ذلك غير مجبر ولا مكره ، وباطني وظاهري يعلم الله تعالى في ذلك سواء . قال الله تعالى: ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام [5: 95] وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة . وشهد عليه بذلك جماعة كثيرة من الشهود .

التالي السابق


الخدمات العلمية