الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ويشترط أن يكون معلوما كالثمن ، وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة - لم يصح ، وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح ، وقال القاضي : يصح ، ولها الوسط ، وهو السندي ، وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ، ذكره أبو بكر ، وروي عن أحمد أنه يصح ، ولها أحدهم بالقرعة ، وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه ، أو قميصا من قمصانه ، ونحوه ، وإن أصدقها عبدا موصوفا ، صح ، وإن جاءها بقيمته ، أو أصدقها عبدا وسطا ، وجاءها بقيمته ، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته - لم يلزمها قبوله ، وقال القاضي : يلزمها ذلك ، وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح ، وعنه : يصح ، فإن فات طلاقها بموتها ، فلها مهرها في قياس المذهب ، وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا ، وألفين إن كان أبوها ميتا - لم تصح ، نص عليه ، وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة ، وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها ، والمنصوص : أنه يصح وإذا قال العبد لسيدته : أعتقيني على أن أتزوجك ، فأعتقته على ذلك - عتق ، ولم يلزمه شيء ، وإذا فرض الصداق مؤجلا ، ولم يذكر محل الأجل - صح في ظاهر كلامه ، ومحله الفرقة عند أصحابنا ، وعند أبي الخطاب : لا تصح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويشترط أن يكون معلوما كالثمن ) ; لأن الصداق عوض في عقد معاوضة ، فاشترط كونه معلوما كالعوض في البيع ; لأن غير المعلوم مجهول ، لا يصلح عوضا في البيع ، فلم تصح تسميته كالمحرم ، لكن لا يضر جهل يسير ، وغرر يرجى زواله في الأصح ( وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة - لم يصح ) ; لأن الصداق يشترط فيه أن يكون معلوما ، وهو معدوم هنا ( وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح ) ; للجهالة ( وقال القاضي : يصح ) ; لقوله عليه السلام : العلائق ما تراضى عليه الأهلون ; ولأنه موضع ثبت فيه العوض في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال ، فثبت مطلقا كالدية ; ولأن جهالة التسمية هذه أقل من جهالة مهر المثل ، وحكى في [ ص: 138 ] " المغني " و " الشرح " عن القاضي : يصح مجهولا ما لم تزد جهالته على جهالة مهر المثل ، كعبد ، وفرس ، من جنس معلوم ، فإن كان دابة أو حيوانا لم يصح ; لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط ( ولها الوسط ، وهو السندي ) بالعراق ; لأن الأعلى التركي ، والأسفل الزنجي ، والوسط السندي والمنصوري ، والأول أصح ، والخبر المراد به : ما تراضى عليه الأهلون مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح ، والدية ثبتت بالشرع لا بالعقل ، وهي خارجة عن القياس في تقديرها ، ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ، ثم الحيوان الثابت فيها موصوف مقدر بقيمته ، فكيف يقاس عليه العبد المطلق ، وأما كون جهالة المطلق أقل من جهالة قدر مهر المثل فممنوع ; لأن العادة في القبائل يكون لنسائهم مهر ، لا يكاد يختلف إلا بالثيوبة والبكارة ، فيكون إذا معلوما .

                                                                                                                          ( وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ، ذكره أبو بكر ) ; لأنه مجهول ، كما لو باع عبدا من عبيده ، أو دابة ، أو ثوبا ( وروي عن أحمد أنه يصح ) اختاره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " كموصوف ، وكما لو عين ثم نسي ، وهذا مما لا نظير له يقاس عليه ، وتأول أبو بكر نص أحمد على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه ، وفيه نظر ، فعلى هذا يعطي من عبيده وسطهم ، وهو رواية ( و ) الأشهر : أن ( لها أحدهم بالقرعة ) نقله مهنا ; لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين ، فشرعت القرعة مميزة ، كما لو أعتق أحد عبده ، وقيل : يعطيها ما اختاره ، وقيل : ما اختارت ، ذكرهما ابن عقيل ( وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه ، أو قميصا من قمصانه ، ونحوه ) ; لأنه في معنى ما سبق ( وإن أصدقها عبدا [ ص: 139 ] موصوفا صح ) ; لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع ، والصفة تنزله منزلة المعين ، فجاز أن يكون صداقا ( وإن جاءها بقيمته ، أو أصدقها عبدا وسطا ، وجاءها بقيمته ، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته - لم يلزمها قبوله ) في الأشهر ، واختاره أبو الخطاب ( وقال القاضي : يلزمها ذلك ) قياسا على الإبل في الدية ، وجوابه : بأنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة ، فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ، وكما لو كان معينا ، والأثمان أصل في الدية كالإبل ، فيلزم الولي القبول لا على طريق القيمة ; ولأن الدية خارجة عن القياس ، ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه عقود المعاوضة ، ثم ينتقض بالعبد المعين .

                                                                                                                          فرع : إذا تزوجها على أن يعتق أباها ، صح ، نص عليه ، فإن طلبت به أكثر من قيمته أو تعذر عليه ، فلها قيمته ( وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وهو ظاهر المذهب ، وقول أكثر الفقهاء ; لقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم [ النساء : 24 ] وقوله عليه السلام : لا تسأل المرأة طلاق أختها ; ولأن هذا لا يصح ثمنا في بيع ، ولا أجرا في إجارة ، فلم يصح صداقا ، كالمنافع المحرمة ، فعلى هذا لها مهر المثل أو نصفه قبل الدخول ، أو المتعة ، عند من يوجبها في التسمية الفاسدة ( وعنه : يصح ) جزم به في الوجيز ; لأن لها فائدة ونفعا لما يحصل لها في الراحة بطلاقها ، من مقاسمتها ، والغيرة منها ، فصح جعله صداقا ، كخياطة ثوبها ، وعتق أمتها ( فإن فات طلاقها بموتها ، فلها مهرها ) أي مهر الضرة ( في قياس المذهب ) ; لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليها [ ص: 140 ] فكان لها قيمته ، كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا ، وقيل : يستحق مهر مثلها ; لأن الطلاق لا قيمة له ، ولا مثل له ، وكذا جعله إليها إلى سنة ، وهل يسقط حقها من المهر ؛ فيه وجهان ، فإن قلنا : لا يسقط ، فهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى ؛ فيه وجهان .

                                                                                                                          ( وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا ، وألفين إن كان أبوها ميتا - لم تصح ) التسمية ( نص عليه ) في رواية مهنا ; لأن حال الأب غير معلومة ، فيكون مجهولا ; ولأنه في معنى بيعتين في بيعة ، وحينئذ لها صداق نسائها ، وعنه : يصح ; لأن الألف معلومة ، وإنما جهل الثاني ، وهو ومعلق على شرط ( وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة ، وألفين إن كان له زوجة - لم يصح في قياس التي قبلها ) ; لأنها في معناها ، وكذا إن تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها ، وعلى ألفين إن أخرجها ( والمنصوص : أنه يصح ) هذه التسمية هنا ، وذكر القاضي : فيهما روايتان ، إحداهما : لا تصح ، اختاره أبو بكر ; لأن سبيله سبيل الشرطين ، فلم تصح كالبيع ، والثانية : تصح ; لأن ألفا معلومة ، وإنما جهلت الثانية وهي معلقة على شرط ، فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق ، والزيادة فيه صحيحة ، والأول أولى ، يعني : القول بالفساد فيهما ، ويجاب عنه بأنه تعليق على شرط لا يصح لوجهين : أحدهما : أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط ، فلو قال : إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفا - لم يصح ، ولم تلزم الزيادة عند موت الأب ، والثاني : أن الشرط يتجدد في قوله : إن كان لي زوجة ، أو إن كان أبوك حيا ، [ ص: 141 ] ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود لتكون الألف الثانية زيادة عليه ، ويمكن الفرق بين نص أحمد على بطلان التسمية ، ونصه على صحتها - بأن المرأة ليس لها غرض يصح بدل العوض فيه - وهو كون أبيها ميتا - وخلوها عن ضرة من أكبر أغراضها ، وكذلك قرارها في دارها بين أهلها ، وفي وطئها ، فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى ، وما وردت من المسائل ألحق بما يشبهها ، ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة .

                                                                                                                          ( وإذا قال العبد لسيدته : أعتقيني على أن أتزوجك ، فأعتقته على ذلك - عتق ) ; لأن سيدته أعتقته ( ولم يلزمه شيء ) ; لأن النكاح يحصل به الملك للزوج ، فلم يلزمه ذلك ، كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا ، وكذا إن قالت لعبدها : أعتقتك على أن تتزوج بي ، لم يلزمه ذلك ، ويعتق ولا يلزمه قيمة نفسه ; لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له ، فلم يلزمه ، كما لو شرطت عليه أن تهبه دينارا ليقبلها ; ولأن النكاح من الرجل لا عوض له ، بخلاف نكاح المرأة ( وإذا فرض الصداق مؤجلا ، ولم يذكر محل الأجل - صح في ظاهر كلامه ) ; لأن لذلك عرفا ، فوجب أن يصح ، ويحمل عليه ، وعلم منه أنه يجوز أن يكون مؤجلا وحالا ، وبعضه كذلك ; لأنه عقد معاوضة ، فجاز فيه ذلك كالثمن ، ومتى أطلق اقتضى الحلول ، كما لو أطلق ذكر الثمن ، وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله ( ومحله الفرقة عند أصحابنا ) ; لأن المطلق يحمل على العرف ، والعرف ترك المطالبة بالصداق إلى حين الفرقة بموت أو طلاق ، فحمل عليه ، فيصير حينئذ معلوما ( وعند أبي الخطاب : لا تصح ) التسمية ، وهو رواية ، وحينئذ لها مهر المثل كثمن المبيع ، وعلى الأول [ ص: 142 ] لو جعل الأجل مدة مجهولة ، كقدوم زيد ، ونحوه - لم يصح ، وقال ابن أبي موسى : يحتمل إذا كان الأجل مجهولا أن يكون حالا ، فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصفه - في رواية - وفي أخرى ، منعه ، كما لو تزوجها على محرم كخمر .




                                                                                                                          الخدمات العلمية