الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم [ ص: 534 ] قال : قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم؛ قالوا : لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا؛ فإن كان عليكم شيء فهو علينا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك : وقال الذين كفروا هم القادة من الكفار، للذين آمنوا لمن آمن من الأتباع : اتبعوا سبيلنا ديننا واتركوا دين محمد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة : وما هم بحاملين قال : ما هم بفاعلين، وليحملن أثقالهم قال : أوزارهم، وأثقالا مع أثقالهم قال : أوزار من أضلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، وابن المنذر ، عن ابن الحنفية قال : كان أبو جهل وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون، يقولون : إنه يحرم الخمر، ويحرم الزنى، ويحرم ما كانت تصنع العرب، فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم . فنزلت هذه الآية : وليحملن أثقالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، عن مجاهد : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قال : هي مثل التي في "النحل" : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم [النحل : 25] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 535 ] وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قال : حملهم ذنوب أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن الحسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أيما داع دعا إلى هدى، فاتبع عليه وعمل به، فله مثل أجور الذين اتبعوه، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وأيما داع دعا إلى ضلالة، فاتبع عليه وعمل به فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا» . قال عون : وكان الحسن مما يقرأ عليها : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إياكم والظلم، فإن الله يقول يوم القيامة : وعزتي لا يجيزني اليوم ظلم . ثم ينادي مناد فيقول : أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص الناس إليها أبصارهم، حتى يقوم بين يدي الرحمن، ثم يأمر المنادي ينادي : من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم . فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن فيقول الرحمن : اقضوا عن عبدي . فيقولون : [ ص: 536 ] كيف نقضي عنه؟ فيقول : خذوا لهم من حسناته . ولا يزالون يأخذون منها حتى لا تبقى منها حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات، فيقول : اقضوا عن عبدي . فيقولون : لم تبق له حسنة . فيقول : خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه» . ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن حذيفة قال : سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القوم، ثم إن رجلا أعطاه، فأعطى القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من سن خيرا فاستن به، كان له أجره، ومن أجور من يتبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سن شرا فاستن به، كان عليه وزره، ومن أوزار من يتبعه، غير منتقص من أوزارهم شيئا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، وأبي الدرداء، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سيروا، سبق المفردون» . قيل : يا رسول الله، [ ص: 537 ] ومن المفردون؟ قال : «الذين يهترون في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافا» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية