الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3109 [ ص: 258 ] باب : من حلف على يمين ، فرأى خيرا منها : فليكفر ويأتي الذي هو خير

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب ندب من حلف يمينا ، فرأى غيرها خيرا منها : أن يأتي الذي هو خير ، ويكفر عن يمينه ) .

                                                                                                                              وعبارة المنتقى : ( باب اليمين على المستقبل ، وتكفيرها قبل الحنث وبعده ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 108 - 110 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن أبي موسى الأشعري ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله، فقال : "والله! لا أحملكم. وما عندي ما أحملكم عليه .

                                                                                                                              قال: فلبثنا ما شاء الله. ثم أتي بإبل فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى.

                                                                                                                              فلما انطلقنا قلنا (أو قال بعضنا لبعض ) : لا يبارك الله لنا. أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فحلف: أن لا يحملنا، ثم حملنا. فأتوه فأخبروه، فقال: "ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني والله! إن شاء الله، لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها، إلا كفرت عن يميني؛ وأتيت الذي هو خير"
                                                                                                                              .]

                                                                                                                              [ ص: 259 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 259 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي موسى الأشعري ) رضي الله عنه : (قال : أتيت النبي صلى الله عليه وآله (وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله (. أي : نطلب منه ما يحملنا من الإبل ، ويحمل أثقالنا. (فقال : " والله ! ما أحملكم . وما عندي ما أحملكم عليه ". قال : فلبثنا ما شاء الله. ثم أتي بإبل ، فأمر لنا بثلاث ذود غر الذرى ) .

                                                                                                                              وفي رواية : " بخمس ذود ".

                                                                                                                              وفي أخرى : "بقع الذرى".

                                                                                                                              " والذرى " : بضم الذال وكسرها ، وفتح الراء : جمع "ذروة " : بكسر الذال وضمها. وذروة كل شيء : أعلاه. والمراد هنا : " الأسنمة ".

                                                                                                                              "والغر" : هي البيض. وكذلك " البقع". وأصلها : ما كان فيه بياض وسواد.

                                                                                                                              والمعنى : أمر لنا بإبل بيض الأسنمة.

                                                                                                                              ولفظ (ثلاث ذود ) : من إضافة الشيء إلى نفسه. وقد يحتج به : من يطلق " الذود " : على الواحد.

                                                                                                                              [ ص: 260 ] وليس في ذكر الثلاث : نفي للخمس ، حتى يتصور المنافاة بينهما.

                                                                                                                              والزيادة مقبولة.

                                                                                                                              وفي رواية : " بثلاثة ذود ". وهو صحيح. يعود إلى معنى " الإبل ".

                                                                                                                              وهو الأبعرة. والله أعلم.

                                                                                                                              (فلما انطلقنا قلنا " أو قال بعضنا لبعض " : لا يبارك الله لنا. أتينا رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم نستحمله ، فحلف : أن لا يحملنا ، ثم حملنا. فأتوه فأخبروه ، فقال : " ما أنا حملتكم. ولكن الله حملكم " ) .

                                                                                                                              ترجم البخاري لهذا الحديث : قوله تعالى : والله خلقكم وما تعملون . وأراد : أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. وهذا مذهب أهل السنة. خلافا للمعتزلة.

                                                                                                                              قال الماوردي : معناه : أن الله تعالى آتاني ما حملتكم عليه. ولولا ذلك : لم يكن عندي ما أحملكم عليه.

                                                                                                                              قال عياض : يجوز أن يكون أوحي إليه أن يحملهم. أو يكون المراد : دخولهم في عموم من أمره الله تعالى بالقسم فيهم.

                                                                                                                              (وإني والله ! إن شاء الله ، لا أحلف على يمين ثم أرى خيرا منها ، إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير (.

                                                                                                                              [ ص: 261 ] وفي حديث آخر : " من حلف على يمين ، فرأى غيرها خيرا منها : فليأت الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه".

                                                                                                                              وفي أخرى : " إذا حلف أحدكم على اليمين ، فرأى خيرا منها : فليكفرها ، وليأت الذي هو خير".

                                                                                                                              هذه الأحاديث : فيها دلالة على من حلف على فعل شيء أو تركه ، وكان الحنث خيرا من التمادي على اليمين : استحب له الحنث. وتلزمه الكفارة. قال النووي : وهذا متفق عليه.

                                                                                                                              قال في النيل : فيه دليل : على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي ؛ إذا كان في الحنث مصلحة. ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه ؛ فإن حلف على فعل واجب ، أو ترك حرام : فيمينه طاعة. والتمادي واجب. والحنث معصية. وعكسه بالعكس.

                                                                                                                              وإن حلف على فعل نفل : فيمينه طاعة. والتمادي مستحب ، والحنث مكروه.

                                                                                                                              وإن حلف على ترك مندوب : فبعكس الذي قبله.

                                                                                                                              وإن حلف على فعل مباح ؛ فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك ، كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما : ففيه عند الشافعية خلاف.

                                                                                                                              وقال ابن الصباغ (وصوبه المتأخرون ) : إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال.

                                                                                                                              وإن كان مستوي الطرفين : فالأصح : أن التمادي أولى ، لأنه قال : " فليأت الذي هو خير ". انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 262 ] قال النووي : وأجمعوا على أنه لا تجب عليه الكفارة ، قبل الحنث. وعلى أنه يجوز تأخيرها عن الحنث. وعلى أنه لا يجوز تقديمها على اليمين. واختلفوا في جوازها بعد اليمين وقبل الحنث ؛

                                                                                                                              فجوزها مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأربعة عشر صحابيا ، وجماعات من التابعين. وهو قول جماهير العلماء. لكن قالوا : يستحب كونها بعد الحنث.

                                                                                                                              واستثنى الشافعي : التكفير بالصوم ، فقال : لا يجوز قبل الحنث ، لأنه عبادة بدنية ، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة ، وصوم رمضان. وأما التكفير بالمال : فيجوز تقديمه ، كما يجوز تعجيل الزكاة.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه ، وأشهب المالكي : لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال. وبه قال داود الظاهري.

                                                                                                                              ودليل الجمهور : ظواهر هذه الأحاديث ، والقياس على تعجيل الزكاة. انتهى.

                                                                                                                              وأقول : إن المتوجه : العمل برواية الترتيب ، المدلول عليه بلفظ : ثم" ، كما سيأتي بعد ذلك في الشرح. ولولا الإجماع " المحكي سابقا على جواز تأخير الكفارة عن الحنث " : لكان ظاهر الدليل : أن تقديم الكفارة واجب. وأحاديث الباب تدل على وجوب الكفارة ، مع إتيان الذي هو خير. والله أعلم.

                                                                                                                              (



                                                                                                                              الخدمات العلمية