الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (40) قوله : إذ تمشي : في عامل هذا الظرف أوجه، أحدها: أن العامل فيه "ألقيت" أي: ألقيت عليك محبة مني في وقت مشي أختك.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه منصوب بقوله "ولتصنع" أي: لتربى ويحسن إليك في هذا الوقت. قال الزمخشري: "والعامل في "إذ تمشي" "ألقيت" أو "لتصنع". وقال أبو البقاء: "إذ تمشي" يجوز أن يتعلق بأحد الفعلين". قلت: يعني بالفعلين ما تقدم من ألقيت أو لتصنع. وعلى هذا فيجوز أن تكون المسألة من باب التنازع; لأن كلا من هذين العاملين يطلب هذا الظرف من حيث المعنى، [ ص: 38 ] ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول. وهذا إنما يتجه كل الاتجاه إذا جعلت "ولتصنع" معطوفا على علة محذوفة متعلقة بـ "ألقيت"، أما إذا جعلته متعلقا بفعل مضمر بعده فيبعد ذلك أو يمتنع، لكون الثاني صار من جملة أخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن تكون "إذ تمشي" بدلا من "إذ أوحينا". قال الزمخشري: "فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح - وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه- أن يقول لك الرجل: لقيت فلانا سنة كذا، فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها". قال الشيخ: "وليس كما ذكر لأن السنة تقبل الاتساع، فإذا وقع لقيهما فيها، بخلاف هذين الظرفين فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصصهما بما أضيفا إليه، فلا يمكن أن يقع الثاني في الظرف الذي وقع فيه الأول; إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه ووقوع مشي الأخت، فليس وقت وقوع الفعل مشتملا على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة". قلت: وهذا تحمل منه عليه فإن زمن اللقي أيضا ضيق لا يسع فعليهما، وإنما ذلك مبني على التساهل; إذ المراد أن الزمان مشتمل على فعليهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "ويجوز أن يكون بدلا من "إذ" الأولى، لأن مشي أخته كان منة عليه" يعني أن قوله "إذ أوحينا" منصوب بقوله: "مننا" فإذا جعل "إذ تمشي" بدلا منه كان أيضا ممتنا به عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 39 ] الرابع: أن يكون العامل فيه مضمرا تقديره: اذكر إذ تمشي. وهو على هذا مفعول به لفساد المعنى على الظرفية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة " كي تقر " بفتح التاء والقاف. وقرأت فرقة "تقر" بكسر القاف، وقد تقدم أنهما لغتان في سورة مريم. وقرأ جناح بن حبيش "تقر" بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول. "عينها" رفعا لما لم يسم فاعله.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فتونا" فيه وجهان، أحدهما: أنه مصدر على فعول كالقعود والجلوس، إلا أن فعولا قليل في المتعدي. ومنه الشكور والكفور والثبور واللزوم. قال تعالى: "لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا". والثاني: أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كـ "حجور" و "بدور" في حجرة وبدرة أي: فتناك ضروبا من الفتن. عن ابن عباس: أنه ولد في عام يقتل فيه الولدان، وألقته أمه في البحر، وقتل القبطي وأجر نفسه عشر سنين، وضل عن الطريق، وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة. ولما سأل سعيد بن جبير عن ذلك أجابه بما ذكرته، وصار يقول عند كل واحدة: فهذه فتنة يا ابن جبير. قال معناه الزمخشري. وقال غيره: بفتون من الفتن - أي المحن- تختبر بها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 40 ] قوله: "على قدر" متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل "جئت" أي: جئت موافقا لما قدر لك. كذا قدره أبو البقاء، وهو تفسير معنى. والتفسير الصناعي: ثم جئت مستقرا أو كائنا على مقدار معين. كقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3288 - نال الخلافة أو جاءت على قدر كما أتى ربه موسى على قدر



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية