الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خدع ] خدع : الخدع : إظهار خلاف ما تخفيه . أبو زيد : خدعه يخدعه خدعا ، بالكسر ، مثل سحره يسحره سحرا ; قال رؤبة :


                                                          وقد أداهي خدع من تخدعا



                                                          وأجاز غيره خدعا ، بالفتح ، وخديعة وخدعة أي أراد به المكروه وختله من حيث لا يعلم . وخادعه مخادعة وخداعا وخدعه واختدعه : خدعه . قال الله - عز وجل - : يخادعون الله ; جاز يفاعل لغير اثنين لأن هذا المثال يقع كثيرا في اللغة للواحد نحو عاقبت اللص وطارقت النعل . قال الفارسي : قرئ يخادعون الله ويخدعون الله ; قال : والعرب تقول خادعت فلانا إذا كنت تروم خدعه وعلى هذا يوجه قوله تعالى : يخادعون الله وهو خادعهم ; معناه أنهم يقدرون في أنفسهم أنهم يخدعون الله ، والله هو الخادع لهم أي المجازي لهم جزاء خداعهم ; قال شمر : روي بيت الراعي :


                                                          وخادع المجد أقوام لهم ورق     راح العضاه به والعرق مدخول



                                                          قال : خادع ترك ، ورواه أبو عمرو : خادع الحمد ، وفسره أي ترك الحمد أنهم ليسوا من أهله . وقيل في قوله : يخادعون الله : أي يخادعون أولياء الله . وخدعته : ظفرت به ; وقيل : يخادعون في الآية بمعنى يخدعون بدلالة ما أنشده أبو زيد :


                                                          وخادعت المنية عنك سرا



                                                          ألا ترى أن المنية لا يكون منها خداع ؟ وكذلك قوله : وما يخدعون إلا أنفسهم ، يكون على لفظ فاعل وإن لم يكن الفعل إلا من واحد كما كان الأول كذلك ، وإذا كانوا قد استجازوا لتشاكل الألفاظ أن يجروا على الثاني ما لا يصح في المعنى طلبا للتشاكل ، فأن يلزم ذلك ويحافظ عليه فيما يصح به المعنى أجدر نحو قوله :

                                                          ألا

                                                          لا يجهلن أحد علينا     فنجهل فوق جهل الجاهلينا



                                                          وفي التنزيل : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ; والثاني قصاص ليس بعدوان . وقيل : الخدع والخديعة المصدر ، والخدع والخداع الاسم ، وقيل : الخديعة الاسم . ويقال : هو يتخادع أي يري ذلك من نفسه . وتخادع القوم : خدع بعضهم بعضا . وتخادع وانخدع : أرى أنه قد خدع ، وخدعته فانخدع . ويقال : رجل خداع وخدوع وخدعة إذا كان خبا . والخدعة : ما تخدع به . ورجل خدعة ، بالتسكين ، إذا كان يخدع كثيرا ، وخدعة : يخدع الناس كثيرا . ورجل خداع وخدع ; عن اللحياني ، وخيدع وخدوع : كثير الخداع ، وكذلك المرأة بغير هاء ; وقوله :


                                                          بجزع من الوادي قليل أنيسه     عفا وتخطته العيون الخوادع



                                                          يعني أنها تخدع بما تسترقه من النظر . وفي الحديث : ( الحرب خدعة وخدعة ) ، والفتح أفصح ، وخدعة مثل همزة . قال ثعلب : ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خدعة ، فمن قال خدعة فمعناه من خدع فيها خدعة فزلت قدمه وعطب فليس لها إقالة ; قال ابن الأثير : وهو [ ص: 29 ] أفصح الروايات وأصحها ، ومن قال خدعة أراد هي تخدع كما يقال رجل لعنة يلعن كثيرا ، وإذا خدع أحد الفريقين صاحبه في الحرب فكأنما خدعت هي ; ومن قال خدعة أراد أنها تخدع أهلها كما قال عمرو بن معديكرب :


                                                          الحرب أول ما تكون فتية     تسعى ببزتها لكل جهول



                                                          ورجل مخدع : خدع في الحرب مرة بعد مرة حتى حذق وصار مجربا ، والمخدع أيضا : المجرب للأمور ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فتنازلا وتواقفت خيلاهما     وكلاهما بطل اللقاء مخدع



                                                          ابن شميل : رجل مخدع أي مجرس صاحب دهاء ومكر ، وقد خدع ; وأنشد :


                                                          أبايع بيعا من أريب مخدع     وإنه لذو خدعة وذو خدعات



                                                          أي ذو تجريب للأمور . وبعير به خادع وخالع : وهو أن يزول عصبه في وظيف رجله إذا برك ، وبه خويدع وخويلع ، والخادع أقل من الخالع . والخيدع : الذي لا يوثق بمودته . والخيدع : السراب لذلك ، وغول خيدع منه ، وطريق خيدع وخادع : جائر مخالف للقصد لا يفطن له ; قال الطرماح :


                                                          خادعة المسلك أرصادها     تمسي وكونا فوق آرامها



                                                          وطريق خدوع : تبين مرة وتخفى أخرى ; قال الشاعر يصف الطريق :


                                                          ومستكره من دارس الدعس داثر     إذا غفلت عنه العيون خدوع



                                                          والخدوع من النوق : التي تدر مرة وترفع لبنها مرة . وماء خادع : لا يهتدى له . وخدعت الشيء وأخدعته : كتمته وأخفيته . والخدع : إخفاء الشيء ، وبه سمي المخدع ، وهو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير ، وتضم ميمه وتفتح . والمخدع : الخزانة . والمخدع : ما تحت الجائز الذي يوضع على العرش ، والعرش : الحائط يبنى بين حائطي البيت لا يبلغ به أقصاه ، ثم يوضع الجائز من طرف العرش الداخل إلى أقصى البيت ويسقف به ; قال سيبويه : لم يأت مفعل اسما إلا المخدع وما سواه صفة . والمخدع والمخدع : لغة في المخدع ، قال : وأصله الضم إلا أنهم كسروه استثقالا ، وحكى الفتح أبو سليمان الغنوي واختلف في الفتح والكسر القناني وأبو شنبل ، ففتح أحدهما وكسر الآخر ; وبيت الأخطل :


                                                          صهباء قد كلفت من طول ما حبست     في مخدع بين جنات وأنهار



                                                          يروى بالوجوه الثلاثة . والخداع : المنع . والخداع : الحيلة . وخدع الضب يخدع خدعا وانخدع : استروح ريح الإنسان فدخل في جحره لئلا يحترش ، وقال أبو العميثل : خدع الضب إذا دخل في وجاره ملتويا ، وكذلك الظبي في كناسه ، وهو في الضب أكثر . قال الفارسي : قال أبو زيد وقالوا إنك لأخدع من ضب حرشته ، ومعنى الحرش أن يمسح الرجل على فم جحر الضب يتسمع الصوت فربما أقبل وهو يرى أن ذلك حية ، وربما أروح ريح الإنسان فخدع في جحره ولم يخرج ; وأنشد الفارسي :


                                                          ومحترش ضب العداوة منهم     بحلو الخلا حرش الضباب الخوادع



                                                          حلو الخلا : حلو الكلام . وضب خدع أي مراوغ . وفي المثل : أخدع من ضب حرشته وهو من قولك : خدع مني فلان إذا توارى ولم يظهر . وقال ابن الأعرابي : يقال أخدع من ضب إذا كان لا يقدر عليه ، من الخدع ; قال ومثله :


                                                          جعل المخادع للخداع يعدها     مما تطيف ببابه الطلاب



                                                          والعرب تقول : إنه لضب كلدة لا يدرك حفرا ولا يؤخذ مذنبا ; الكلدة : المكان الصلب الذي لا يعمل فيه المحفار ; يضرب للرجل الداهية الذي لا يدرك ما عنده . وخدع الثعلب إذا أخذ في الروغان . وخدع الشيء خدعا : فسد . وخدع الريق خدعا : نقص ، وإذا نقص خثر ، وإذا خثر أنتن ; قال سويد بن أبي كاهل يصف ثغر امرأة :


                                                          أبيض اللون لذيذ طعمه     طيب الريق إذا الريق خدع



                                                          لأنه يغلظ وقت السحر فييبس وينتن . ابن الأعرابي : خدع الريق أي فسد . والخادع : الفاسد من الطعام وغيره . قال أبو بكر : فتأويل قوله : يخادعون الله وهو خادعهم ، يفسدون ما يظهرون من الإيمان بما يضمرون من الكفر كما أفسد الله نعمهم بأن أصدرهم إلى عذاب النار . قال ابن الأعرابي : الخدع منع الحق ، والختم منع القلب من الإيمان . وخدع الرجل : أعطى ثم أمسك . يقال : كان فلان يعطي ثم خدع أي أمسك ومنع . وخدع الزمان خدعا : قل مطره . وفي الحديث : رفع رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما أهمه من قحط المطر فقال : قحط السحاب وخدعت الضباب وجاعت الأعراب ; خدعت أي استترت وتغيبت في جحرتها . قال الفارسي : وأما قوله في الحديث : ( إن قبل الدجال سنين خداعة ) ، فيرون أن معناه ناقصة الزكاة قليلة المطر ، وقيل : قليلة الزكاء والريع من قولهم خدع الزمان قل مطره ; وأنشد الفارسي :


                                                          وأصبح الدهر ذو العلات قد خدعا



                                                          وهذا التفسير أقرب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ( سنين خداعة ) ، يريد التي يقل فيها الغيث ويعم بها المحل . وقال ابن الأثير في قوله : ( يكون قبل الساعة سنون خداعة ) أي تكثر فيها الأمطار ويقل الريع ، فذلك خداعها لأنها تطمعهم في الخصب بالمطر ثم تخلف ، وقيل : الخداعة القليلة المطر من خدع الريق إذا جف . وقال شمر : السنون الخوادع القليلة الخير الفواسد . ودينار خادع أي ناقص . وخدع خير الرجل : قل . وخدع الرجل : قل ماله . وخدع الرجل خدعا : تخلق بغير خلقه . وخلق خادع أي متلون . وخلق فلان خادع إذا تخلق بغير خلقه . وفلان خادع الرأي إذا كان متلونا لا يثبت على رأي [ ص: 30 ] واحد . وخدع الدهر إذا تلون . وخدعت العين خدعا : لم تنم . وما خدعت بعينه نعسة تخدع أي ما مرت بها ; قال الممزق العبدي :


                                                          أرقت فلم تخدع بعيني نعسة     ومن يلق ما لاقيت لا بد يأرق



                                                          أي لم تدخل بعيني نعسة ، وأراد ومن يلق ما لاقيت يأرق لا بد أي لا بد له من الأرق . وخدعت عين الرجل : غارت ; هذه عن اللحياني . وخدعت السوق خدعا وانخدعت : كسدت ; الأخيرة عن اللحياني : وكل كاسد خادع . وخادعته : كاسدته . وخدعت السوق : قامت فكأنه ضده . ويقال : سوقهم خادعة أي مختلفة متلونة . قال أبو الدينار في حديثه : السوق خادعة أي كاسدة . قال : ويقال السوق خادعة إذا لم يقدر على الشيء إلا بغلاء . قال الفراء : بنو أسد يقولون إن السعر لمخادع ، وقد خدع إذا ارتفع وغلا . والخدع : حبس الماشية والدواب على غير مرعى ولا علف ; عن كراع . ورجل مخدع : خدع مرارا ; وقيل في قول الشاعر :


                                                          سمح اليمين إذا أردت يمينه     بسفارة السفراء غير مخدع



                                                          أراد غير مخدوع ، وقد روي جد مخدع أي أنه مجرب ، والأكثر في مثل هذا أن يكون بعد صفة من لفظ المضاف إليه كقولهم أنت عالم جد عالم . والأخدع : عرق في موضع المحجمتين وهما أخدعان . والأخدعان : عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق ، وربما وقعت الشرطة على أحدهما فينزف صاحبه لأن الأخدع شعبة من الوريد . وفي الحديث : ( أنه احتجم على الأخدعين والكاهل ) ; الأخدعان : عرقان في جانبي العنق قد خفيا وبطنا ، والأخادع الجمع ; وقال اللحياني : هما عرقان في الرقبة ، وقيل : الأخدعان الودجان . ورجل مخدوع : قطع أخدعه . ورجل شديد الأخدع أي شديد موضع الأخدع ، وقيل : شديد الأخدع ، وكذلك شديد الأبهر . وأما قولهم عن الفرس : إنه لشديد النسا فيراد بذلك النسا نفسه لأن النسا إذا كان قصيرا كان أشد للرجل ، وإذا كان طويلا استرخت الرجل . ورجل شديد الأخدع : ممتنع أبي ، ولين الأخدع : بخلاف ذلك . وخدعه يخدعه خدعا : قطع أخدعيه ، وهو مخدوع وخدع ثوبه خدعا وخدعا : ثناه ; هذه عن اللحياني . والخدعة : قبيلة من تميم . قال ابن الأعرابي : الخدعة ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ; وأنشد غيره في هذه القبيلة من تميم :


                                                          أذود عن حوضه ويدفعني     يا قوم من عاذري من الخدعه



                                                          وخدعة : اسم رجل ، وقيل : اسم ناقة كان نسب بها ذلك الرجل ; عنه أيضا ; وأنشد :


                                                          أسير بشكوتي وأحل وحدي     وأرفع ذكر خدعة في السماع



                                                          قال : وإنما سمي الرجل خدعة بها ، وذلك لإكثاره من ذكرها وإشادته بها . قال ابن بري رحمه الله : أهمل الجوهري في هذا الفصل الخيدع ، وهو السنور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية