الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : أولم يكفهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الفريابي ، والدارمي ، وأبو داود في "مراسيله"، وابن جرير ، [ ص: 563 ] وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن يحيى بن جعدة قال : جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «كفى بقوم حمقا -أو ضلالة- أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم، إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم» . فنزلت : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الإسماعيلي في "معجمه"، وابن مردويه ، من طريق يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «إن أحمق الحمق، وأضل الضلالة، قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إلى نبي غير نبيهم، وإلى أمة غير أمتهم» . ثم أنزل الله : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في "المصنف " والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن الزهري ، أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرؤه عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه، فقال : «والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني [ ص: 564 ] لضللتم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن الضريس ، والحاكم في "الكنى"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن عبد الله بن ثابت بن الحارث الأنصاري قال : دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة، فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك . فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرا شديدا لم أر مثله قط، فقال عبد الله بن الحارث لعمر : أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا . فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظكم من النبيين، وأنتم حظي من الأمم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والبيهقي ، عن أبي قلابة، أن عمر بن الخطاب مر برجل يقرأ كتابا، فاستمعه ساعة فاستحسنه . فقال للرجل : اكتب لي من هذا الكتاب . قال : نعم . فاشترى أديما فهيأه، ثم جاء به إليه، فنسخ له في ظهره وبطنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه، وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال : ثكلتك أمك يا ابن [ ص: 565 ] الخطاب، ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : «إنما بعثت فاتحا وخاتما، وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصارا، فلا يهلكنكم المتهوكون» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي وضعفه عن عمر بن الخطاب قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعلم التوراة، فقال : «لا تتعلمها وآمن بها، وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس عن الحسن ، أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله، إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها . فقال : «يا ابن الخطاب، أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولكني أعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الحديث اختصارا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي مليكة قال : أهدى عبد الله بن عامر بن [ ص: 566 ] كريز إلى عائشة هدية، فظنت أنه عبد الله بن عمرو، فردتها وقالت : يتتبع الكتب، وقد قال الله : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فقيل لها : إنه عبد الله بن عامر، فقبلتها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية