الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب اشتراط الطهارة قبل اللبس

                                                                                                                                            228 - ( عن المغيرة بن شعبة قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه ، فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما } . متفق عليه ، ولأبي داود : { دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما ) } .

                                                                                                                                            229 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : قلنا : يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين ؟ قال : { نعم ، إذا أدخلهما وهما طاهرتان } رواه الحميدي في مسنده ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث المغيرة ورد بألفاظ في الصحيحين وغيرهما هذا أحدها ، وقد ذكرنا فيما سلف أنه رواه ستون صحابيا ، كما صرح به البزار ، وأنه في غزوة تبوك وهي بعد المائدة بالاتفاق . وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه .

                                                                                                                                            وفي الباب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة . قوله : ( ثم أهويت ) أي مددت يدي ، قال الأصمعي : أهويت بالشيء : إذا أومأت به ، وقال غيره : أهويت : قصدت الهوي من القيام إلى القعود ، وقيل : الإهواء : الإمالة .

                                                                                                                                            قوله : { فإني أدخلتهما طاهرتين } هو يدل على اشتراط الطهارة في اللبس لتعليله عدم النزع بإدخالهما طاهرتين وهو مقتض أن إدخالهما غير طاهرتين يقتضي النزع ، وقد ذهب إلى ذلك الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود : يجوز اللبس على حدث ثم يكمل طهارته ، والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية وخالفهم داود فقال : المراد إذا لم يكن على رجليه نجاسة . وقد استدل به على أن إكمال الطهارة فيهما شرط حتى لو غسل إحداهما وأدخلها [ ص: 230 ] الخف يتم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز المسح ، صرح بذلك النووي وغيره .

                                                                                                                                            قال في الفتح : عند الأكثر ، وأجاز الثوري والكوفيون والمزني ومطرف وابن المنذر وغيرهم أنه يجزئ المسح إذا غسل إحداهما وأدخلها الخف ثم الأخرى لصدق أنه أدخل كلا من رجليه الخف وهي طاهرة ، وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة واستضعفه ابن دقيق العيد ; لأن الاحتمال باق قال : لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض ، اتجه وصرح بأنه لا يمتنع أن يعبر بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أدخلت طاهرة قال : بل ربما يدعي أنه ظاهر في ذلك ، فإن الضمير في قوله : أدخلتهما يقتضي تعليق الحكم بكل واحدة منهما ، نعم من روى { فإني أدخلتهما وهما طاهرتان } وقد يتمسك بروايته هذا القائل من حيث إن قوله : أدخلتهما يقتضي كل واحدة منهما فقوله : ( وهما طاهرتان ) يصير حالا من كل واحدة فيكون التقدير أدخلت كل واحدة منهما حال طهارتهما .

                                                                                                                                            230 - ( وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ومسح على خفيه ، فقلت : يا رسول الله رجليك لم تغسلهما ؟ قال : إني أدخلتهما وهما طاهرتان } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            231 - ( وعن صفوان بن عسال قال : { أمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ، ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جنابة } رواه أحمد وابن خزيمة ، وقال الخطابي : هو صحيح الإسناد ) .

                                                                                                                                            الحديث الأول قال في مجمع الزوائد : في إسناده رجل لم يسم ، وقد تقدم الكلام على فقهه . والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي والترمذي وابن خزيمة وصححاه ، ورواه الشافعي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي . وحكى الترمذي عن البخاري أنه حديث حسن ومداره على عاصم بن أبي النجود وهو صدوق سيئ الحفظ وقد تابعه جماعة ، ورواه عن أكثر من أربعين نفسا ، قال ابن منده : والحديث يدل على توقيت المسح بالثلاثة الأيام للمسافر واليوم والليلة للمقيم ، وقد اختلف الناس في ذلك فقال مالك والليث بن سعد : لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا [ ص: 231 ] له ، والمسافر والمقيم في ذلك سواء ، وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود الظاهري ومحمد بن جرير الطبري بالتوقيت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وثبت التوقيت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وحذيفة والمغيرة وأبي زيد الأنصاري هؤلاء من الصحابة .

                                                                                                                                            وروي عن جماعة من التابعين منهم شريح القاضي وعطاء بن أبي رباح والشعبي وعمر بن عبد العزيز ، قال أبو عمر بن عبد البر : وأكثر التابعين والفقهاء على ذلك وهو الأحوط عندي ; لأن المسح ثبت بالتواتر واتفق عليه أهل السنة والجماعة واطمأنت النفس إلى اتفاقهم فلما قال أكثرهم : لا يجوز المسح للمقيم أكثر من خمس صلوات يوم وليلة ، ولا يجوز للمسافر أكثر من خمس عشرة صلاة ثلاثة أيام ولياليها فالواجب على العالم أن يؤدي صلاته بيقين ، واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ولم يجمعوا فوق الثلاث للمسافر ولا فوق اليوم للمقيم ا هـ . وحديث : الباب يدل على ما قاله الآخرون ويرد مذهب الأولين .

                                                                                                                                            وكذلك حديث أبي بكرة وحديث علي . وحديث خزيمة بن ثابت الآتي في هذا الكتاب . وفي الباب أحاديث عن غيرهم ولعل متمسك أهل القول الأول ما أخرجه أبو داود من حديث أبي بن عمارة { أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمسح على الخفين قال : نعم قال : يوما قال : ويومين قال : وثلاثة أيام قال : نعم . وما شئت } .

                                                                                                                                            وفي رواية { حتى بلغ سبعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وما بدا لك } قال أبو داود : وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي . وقال البخاري نحوه وقال الإمام أحمد : رجاله لا يعرفون ، وأخرجه الدارقطني . وقال : هذا إسناده لا يثبت وفي إسناده ثلاثة مجاهيل : عبد الرحمن ، ومحمد بن يزيد ، وأيوب بن قطن ، ومع هذا فقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا ، وقال ابن حبان : لست أعتمد على إسناد خبره ، وقال ابن عبد البر : لا يثبت وليس له إسناد قائم ، وبالغ الجوزجاني فذكره في الموضوعات ، وما كان بهذه المرتبة لا يصلح للاحتجاج به على فرض عدم المعارض ،

                                                                                                                                            فالحق توقيت المسح بالثلاث للمسافر ، واليوم والليلة للمقيم . وفي الحديث دليل على أن الخفاف لا تنزع في هذه المدة المقدرة لشيء من الأحداث إلا للجنابة .

                                                                                                                                            232 - ( وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما } . رواه [ ص: 232 ] الأثرم في سننه وابن خزيمة والدارقطني ، قال الخطابي : هو صحيح الإسناد ) . الحديث أخرجه الشافعي وابن أبي شيبة وابن حبان وابن الجارود والبيهقي والترمذي في العلل وصححه الشافعي وغيره ، قاله الحافظ في الفتح ، وكذلك نقل البيهقي عن الشافعي ، وصححه ابن خزيمة ،

                                                                                                                                            والحديث تقدم الكلام على فقهه في الذي قبله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية