الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 505 ]

                والمجاز ، اللفظ المستعمل في غير موضوع أول على وجه يصح ، وشرطه العلاقة ، وهي ما ينتقل الذهن بواسطته عن محل المجاز إلى الحقيقة ، ويعتبر ظهورها ، كالأسد على الشجاع ، بجامع الشجاعة ، لا على الأبخر ، لخفائها .

                ويتجوز بالسبب عن المسبب ، والعلة عن المعلول ، واللازم عن الملزوم ، والأثر عن المؤثر ، والمحل عن الحال ، وبالعكس فيهن ، وباعتبار وصف زائل ، كالعبد على العتيق ، أو آيل ، كالخمر على العصير ، وبما بالقوة على ما بالفعل ، وعكسه ، وبالزيادة ، نحو : ليس كمثله شيء ، وبالنقص ، نحو : واسأل القرية وأشربوا في قلوبهم العجل أي : حبه

                التالي السابق


                المجاز

                قوله : " والمجاز " : هو " اللفظ المستعمل في غير موضوع أول على وجه يصح " ، قد بينا اشتقاق المجاز عند ذكر الحقيقة .

                وقولنا : اللفظ المستعمل : هو جنس الحد ، يتناول الحقيقة والمجاز ، إذ كلاهما لفظ مستعمل .

                وقولنا : في غير موضوع أول : فصل للمجاز من الحقيقة ، كما سبق التنبيه عليه ، وذلك كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع ، فإنه غير موضوع للأسد الأول ، إذ موضوعه الأول هو السبع .

                وقولنا : على وجه يصح نريد به وجود شروط المجاز المذكورة بعد احتراز من استعماله على وجه لا يصح ، وهو ما إذا انتفت شروطه أو بعضها ، بأن كان لا لعلاقة ، أو لعلاقة خفية ، ونحو ذلك .

                قوله : " وشرطه " ، أي : وشرط المجاز ، أو صحة التجوز ، " العلاقة " ، وقد أشرنا [ ص: 506 ] فيما سبق إلى الفرق بين المجاز والتجوز .

                قوله : " وهي " يعني العلاقة ، هي ما ينتقل الذهن بواسطته عن محل المجاز إلى الحقيقة ، وذلك كالشجاعة التي ينتقل الذهن بواسطتها عن الرجل الشجاع إذا أطلقنا عليه لفظ أسد إلى السبع المفترس ، إذ لولا هذه العلاقة ، وهي صفة الشجاعة ، لما صح التجوز ، ولما انتقل الذهن إلى السبع المفترس عند إطلاق لفظ الأسد على الرجل الشجاع ، ولكان إطلاق لفظ الأسد عليه علمية ارتجالا ، وكذلك وصف البلادة في قولنا للبليد : حمار ، والكثرة في قولنا للعالم والجواد : بحر ، والطول في قولنا للطويل : نخلة .

                والعلاقة هاهنا بكسر العين ، وهي في الأصل ما تعلق الشيء بغيره ، نحو علاقة السوط والقوس وغيرهما ، وكذلك علاقة المجاز تعلقه بمحل الحقيقة ؟ وتعليقها به هو ما ذكرناه من انتقال الذهن بواسطتها عن محل المجاز إلى الحقيقة .

                أما العلاقة بفتح العين ، فهي علاقة الخصومة والحب ، وهي تعلق الخصم بخصمه ، والمحب بمحبوبه .

                قوله : " ويعتبر ظهورها " ، إلى آخره .

                أي : ويعتبر ظهور علاقة المجاز ، أي : أن تكون ظاهرة ، يسرع الفهم إليها عند إطلاق لفظ المجاز ، حرصا على سرعة التفاهم ، وحذرا من إبطائه ، لأن ذلك عكس [ ص: 507 ] مقصود الواضع ، والمتجوز ، والمتخاطبين فيما بينهم ، كإطلاق لفظ الأسد على الشجاع بجامع الشجاعة ، وهي صفة ظاهرة ، لا كإطلاق لفظ الأسد على الإنسان الأبخر لخفائها ، أي : لخفاء صفة البخر في الأسد ، فإنه لا يكاد يعلمها فيه إلا القليل من الناس ، بخلاف الشجاعة ، فإنه لا يجهلها إلا القليل النادر .

                قوله : " ويتجوز بالسبب عن المسبب " ، إلى آخره .



                هذا ذكر أقسام التجوز ، والمذكور منه هاهنا ستة عشر قسما ، نحن ذاكروها على ترتيبها في المختصر إن شاء الله تعالى :

                أحدها : التجوز بالسبب عن المسبب ، نحو قوله تعالى : ونبلو أخباركم [ محمد : 13 ] ، أي : نعرفها ، تجوز بالابتلاء عن العرفان ، لأن الابتلاء سببه ، إذ من ابتلى شيئا عرفه .

                وأصناف السبب أربعة : قابلي ، وصوري ، وفاعلي ، وغائي ، وكل واحد منها يتجوز به عن مسببه .

                مثال الأول : - وهو تسمية الشيء باسم قابله - قولهم : سال الوادي ، والأصل : سال الماء في الوادي ، لكن الوادي لما كان سببا قابلا لسيلان الماء فيه ، صار الماء من حيث القابلية كالمسبب له ، فوضع لفظ الوادي موضعه .

                ومثال الثاني : - وهو تسمية الشيء باسم صورته - قولهم : هذه صورة الأمر والحال ، أي : حقيقته ، ومثله في " المحصول " بتسميتهم اليد بالقدرة ، كأنه جعل [ ص: 508 ] القدرة صورة اليد .

                ومثال الثالث : - وهو تسمية الشيء باسم فاعله ، حقيقة أو ظنا - قولهم في الكتاب الجامع لتنوع علمه : هو شيخ جالس على الكرسي ، أو على الرف ، لأن الشيخ - أعني المصنف - هو فاعل الكتاب ، وقولهم للمطر : سماء ، لأن السماء فاعل مجازي للمطر ، بدليل إسناد الفعل إليها في قولهم : أمطرت السماء .

                ومثال الرابع : - وهو تسمية الشيء باسم غايته - تسمية العنب خمرا ، والعقد نكاحا ، لأنه غايته ويئول إليه .

                القسم الثاني : التجوز بالعلة عن المعلول ، كالتجوز بلفظ الإرادة عن المراد ، لأنها علته كقوله تعالى : ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله [ النساء : 150 ] ، أي : ويفرقون . بدليل أنه قوبل بقوله عز وجل : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا [ النساء : 152 ] ، ولم يقل : ولم يريدوا أن يفرقوا ، وكذلك قول القائل : رأيت الله في كل شيء ، لأن الله سبحانه وتعالى هو موجد كل شيء وعلته ، فأطلق لفظه عليه . ومعناه : رأيت كل شيء ، فاستدللت به على الله سبحانه وتعالى ، لظهور آثار القدرة الإلهية فيه ، فدل عليه سبحانه وتعالى دلالة العلة على معلولها ، والمفعول على فاعله .

                القسم الثالث : التجوز باللازم عن الملزوم ، كتسمية السقف جدارا ، لأن الجدار لازم له ، وتسمية الإنسان حيوانا ، لأن الحيوان لازم له . [ ص: 509 ]

                القسم الرابع : التجوز بلفظ الأثر عن المؤثر ، كتسميتهم ملك الموت عليه السلام موتا ، لأن الموت أثر له ، وقول الشاعر يصف ظبية :


                فإنما هي إقبال وإدبار

                لأن الإقبال والإدبار من أفعالها ، وهي آثار لها ، وكذلك كل من سمي باسم فعل من أفعاله ، نحو : زيد صوم ، وعدل ، وكرم ، وفضل ، وخير ، وبر ، والطريق جور ، أي : مائل ، فهو وصف للطريق ، فينزل منزلة الأثر .

                القسم الخامس : التجوز بلفظ المحل عن الحال فيه ، كتسمية المال كيسا [ ص: 510 ] في قولهم : هات الكيس ، والمراد : المال الذي فيه ، لأنه حال في الكيس ، وكذلك تسمية الخمر كأسا ، أو زجاجة ، والطعام مائدة أو خوانا ، والميت جنازة ، والمكتوب ورقة وكتابا وبطاقة ، لأن هذه الأشياء حالة في المحال المذكورة ، وهذه خمسة أقسام .

                قوله : " وبالعكس فيهم " ، أي : عكس هذه الأقسام فهي خمسة أخرى :

                أولها : - وهو القسم السادس - : التجوز بلفظ المسبب عن السبب ، كقوله تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ البقرة : 188 ] ، أي : لا تأخذوها ، فتجوز بالأكل عن الأخذ ، لأنه مسبب عن الأخذ ، إذ إنسان يأخذ فيأكل .

                القسم السابع : التجوز‌‌‌‌ بلفظ المعلول عن العلة ، كالتجوز بلفظ المراد عن الإرادة ، نحو قوله تعالى : إذا قضى أمرا [ مريم : 35 ] ، أي : إذا أراد أن يقضي ، فالقضاء معلول الإرادة ، فتجوز به عنها ، وكذا قوله عز وجل : وإن حكمت فاحكم [ المائدة : 42 ] ، أي : إذا أردت أن تحكم .

                القسم الثامن : التجوز بالملزوم عن اللازم ، كتسمية العلم حياة ، لأنه ملزوم الحياة ، إذ الحياة شرط للعلم ، والمشروط ملزوم للشرط ، وكذلك التجوز بكل مشروط عن شرطه ، هو تجوز بالملزوم عن لازمه ، وكتسمية الجدار سقفا ، والحيوان إنسانا لو سمي به .

                القسم التاسع : التجوز بلفظ المؤثر عن الأثر ، كقول القائل : رأيت الله ، وما أرى في الوجود إلا الله ، يريد آثاره الدالة عليه في العالم ، وكقولهم في الأمر المهم وغيره : [ ص: 511 ] - 511 - هذه إرادة الله ، أي : مراده ، فأطلق لفظ الإرادة على المراد إطلاقا لاسم المؤثر على الأثر ، لأن الإرادة مؤثرة .

                القسم العاشر : التجوز بلفظ الحال عن المحل ، كتسمية الكيس مالا ، والكأس خمرا ، والمائدة طعاما ، والجنازة ميتا ، والورقة مكتوبا ، عكس ما تقدم .

                القسم الحادي عشر : تسمية الشيء " باعتبار وصف زائل " أي : كان به وزال عنه ، كإطلاق العبد على العتيق ، باعتبار وصف العبودية الذي كان قائما به ، فزال عنه ، وكذا تسمية الخمر عصيرا ، والعصير عنبا ، باعتبار ما كان .

                القسم الثاني عشر : تسمية الشيء باعتبار وصف آيل ، أي : يئول ويصير إليه ، كإطلاق الخمر على العصير في قوله سبحانه وتعالى : إني أراني أعصر خمرا [ يوسف : 36 ] ، وإنما كان يعصر عنبا ، فيحصل منه عصير ، لكن لما كان العصير يئول إلى وصف الخمرية ، أطلق عليه لفظ الخمر .

                القسم الثالث عشر : إطلاق ما بالقوة على ما بالفعل ، كتسمية الخمر في الدن مسكرا ، لأن فيه قوة الإسكار ، وتسمية النطفة إنسانا ، لأن الإنسان فيه بالقوة ، أي : قابل لصيرورته إنسانا . [ ص: 512 ] القسم الرابع عشر : عكس الذي قبله ، وهو إطلاق ما بالفعل على ما بالقوة ، كتسمية الإنسان الحقيقي نطفة ، أو ماء مهينا ، وهو أيضا من باب التسمية باعتبار وصف زائل .

                القسم الخامس عشر : التجوز بالزيادة ، كقوله سبحانه وتعالى : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] ، أي : ليس مثله ، والكاف زائدة .

                القسم السادس عشر : التجوز بالنقص ، نحو قوله عز وجل : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ، أي : أهل القرية ، وأشربوا في قلوبهم العجل [ البقرة : 93 ] ، أي : حب العجل ، فذلكن الذي لمتنني فيه [ يوسف : 32 ] ، أي : في حبه أو في مراودته .

                هذه الأقسام المذكورة في " المختصر " ، وثم وجوه أخر :

                منها : تسمية الشيء باسم ما يشابهه ، كتسمية الشجاع أسدا ، والبليد حمارا ، لاشتباههما في وصف الشجاعة والبلادة ، وهو المسمى استعارة باتفاق ، وهو إذا لم يذكر المستعار له ، نحو : رأيت أسدا أو حمارا ، تريد رجلا شجاعا أو بليدا . وهل تسمى بقية أنواع المجاز استعارة ؟ فيه قولان :

                أحدهما : لا ، ولا دليل عليه ، وإنما هو فرق اصطلاحي من قائله .

                والثاني : نعم ، نظرا إلى أن المعنى المصحح للتجوز ، مستعار لمحل المجاز من محل الحقيقة ، كشجاعة الأسد للرجل .

                ومنها : تسمية الشيء باسم ضده ، نحو : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى : 40 ] ، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [ البقرة : 194 ] ، حيث سمى الجزاء سيئة [ ص: 513 ] وعدوانا ، وجوز أن يجعل من باب المجاز للمشابهة ، لأن جزاء السيئة يشبهها في صورة الفعل وفي كونها تسوء من وصلت إليه ، وكذلك جزاء العدوان ، وجعل ابن عبد السلام هذا من باب التجوز بلفظ السبب عن المسبب : سمى عقوبة السيئة والاعتداء سيئة واعتداء ، لأن العقوبة مسببة عن السيئة والاعتداء .

                ومنها : تسمية الجزء باسم الكل ، كإطلاق لفظ العام ، والمراد الخاص ، نحو قوله عز وجل : الذين قال لهم الناس [ آل عمران : 173 ] ، والمراد واحد معين ، وقولنا : قام الرجال ، والمراد بعضهم ، ورأيت زيدا ، وإنما رأيت بعضه .

                ومنها : عكس ذلك : تسمية الكل باسم الجزء ، كقولهم للزنجي : أسود ، وإن كان الأسود إنما هو جزؤه ، وهو أكثره ، فأطلق الأسود على جميعه ، وإن كان أسنانه وأخمصه أبيضين .

                قلت : هذا المثال ذكره في المحصول ، وهو من باب تغليب الأكثر ، والمثال الواضح قوله عليه السلام : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، فسمى المسلمين باسم جزء يسير منهم - وهو اليد - إشارة إلى أنه ينبغي لهم أن يكونوا في الائتلاف والاجتماع كيد واحدة .

                ومنها إطلاق اللفظ المشتق بعد زوال المشتق منه ، كقولنا للإنسان بعد فراغه من الضرب : ضارب ، وهذا محل خلاف .

                ومنها : المجاز بالمجاورة كتسمية مزادة الماء رواية .

                ومنها : المجاز العرفي كاستعمال الدابة في الحمار ونحوه ، وقد ذكر هذان قبل .

                ومنها : تسمية المتعلق - بفتح اللام - باسم المتعلق - بكسرها - كتسمية المعلوم [ ص: 514 ] علما ، والمقدور قدرة في قوله تعالى : ولا يحيطون بشيء من علمه [ البقرة : 255 ] ، أي : معلومه ، وقولهم : رأينا قدرة الله ، أي : مقدوره . وقد يتجوز بلفظ المعلوم عن العلم ، والمقدور عن القدرة ، عكس الأول ، كما لو حلف حالف بمعلوم الله ومقدوره ، وأراد العلم والقدرة ، جاز وانعقدت يمينه .

                ووجوه المجاز أكثر من هذا ، وهي ناشئة عن تعدد أصناف العلاقة الرابطة بين محل المجاز والحقيقة ، فكل مسميين بينهما علاقة رابطة جاز التجوز باسم أحدهما عن الآخر ، سواء نقل ذلك التجوز الخاص عن العرب ، أو لم ينقل على خلاف سيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى .

                نعم ، يتفاوت المجاز قوة وضعفا بحسب تفاوت ربط العلاقة بين محل الحقيقة والمجاز وفي ذلك . فائدتان :

                إحداهما : أن المجاز بالمجاورة قد يكون بدرجة واحدة ، كما ذكر في الراوية بالنسبة إلى الجمل ، والغائط بالنسبة إلى المطمئن من الأرض . وقد يكون بأكثر من درجة ، كتسميتهم الغيث سماء في قول الشاعر :


                إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا

                [ ص: 515 ] أي : إذا نزل الغيث ، وفيه مجازان :

                أحدهما : إفرادي بأكثر من درجة من جهة أنه سمى الغيث سماء ، لحصوله عن الماء النازل من السحاب المجاور للسماء .

                والثاني : إسنادي ، وهو وصفه العشب بالنزول ، لحصوله عن الماء المتصف بالنزول من الغمام .

                الفائدة الثانية : المجاز السببي يكون أيضا بمراتب ، كقوله سبحانه وتعالى : يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم [ الأعراف : 26 ] ونفس اللباس لم ينزل من السماء ، وإنما نزل الماء الذي يكون عنه اللباس بوسائط ، مثاله : ثياب الكتان حاصلة عن الكتان ، الحاصل عن بذرة النابت في الأرض ، بالماء النازل من السماء ، وثياب الحرير حاصلة عن الحرير الحاصل عن القز ، الحاصل عن بزره المربى ، بسبب الماء النازل ، وكذلك دود القز إنما يتغذى بورق التوت ، الناشئ عن شجر التوت النابت في الأرض بالماء النازل من السماء ، ومن هذا الباب قول الراجز :


                الحمد لله الملك الديان صار الثريد في رءوس العيدان

                يريد بالثريد السنبل الذي في رءوس الحمل ، وهو مادة التبن ، لأن السنبل يحصد ، [ ص: 516 ] ثم يدرس ، ثم يذرى ويصفى ، ثم يطحن ، ثم يخبز ، ثم يطبخ فيصير ثريدا ، فهذا مجاز بست مراتب .

                فهذا وأمثاله من محاسن لغة العرب .

                وينبغي لمن حاول علم الشريعة النظر والارتياض فيه ، ليعلم مواقع ألفاظ الكتاب والسنة ، وكلام أهل العلم ، وإن أردت معرفة طرف صالح فعليك " بكتاب المجاز " للشيخ عز الدين بن عبد السلام ، فإنه أجود ما رأيت في هذا الفن ، ولقد أحسن فيه غاية الإحسان ، وضمنه من ذلك النكت البديعة والفوائد الحسان ، جزاه الله وسائر العلماء ، عما أفادوا به جزيل الإحسان .




                الخدمات العلمية