الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه وقعت صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة التوثة من الجانب الغربي على نخلتين من مسجد فأحرقتهما ، فصعد الناس فأطفئوا النار بعد أن اشتعل من سعفهما وكربهما وليفهما ، فرمى به ، فأخذه الصبيان وهو يشتعل في أيديهم كالشمع .

وفي رمضان: حمل إلى مكة مع أصحاب محمد بن أبي هاشم العلوي أمير مكة منبر كبير ، جميعه منقوش مذهب ، تولى الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير عمله في داره بباب العامة ، وكان مكتوبا عليه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله ، الإمام المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين" مما أمر بعمله محمد بن محمد بن جهير ، فاتفق وصوله إلى مكة وقد أعيدت الخطبة المصرية ، وقطعت العباسية ، فآل أمره إلى أن كسر وأحرق .

وورد كتاب من النظام إلى أبي إسحاق الشيرازي في جواب بعض كتبه الصادرة إليه في معنى الحنابلة ، وفيه: ورد كتابك بشرح أطلت فيه الخطاب ، وليس توجب سياسة السلطان وقضية المعدلة إلى أن نميل في المذاهب إلى جهة دون جهة ، ونحن بتأييد السنن أولى من تشييد الفتن ، ولم نتقدم ببناء هذه المدرسة إلا لصيانة أهل العلم والمصلحة ، لا للاختلاف وتفريق الكلمة ، ومتى جرت الأمور على خلاف ما أردناه من هذه الأسباب فليس إلا التقدم بسد الباب ، وليس في المكنة إلا بيان على بغداد [ ص: 191 ] ونواحيها ، ونقلهم عن ما جرت عليه عاداتهم فيها ، فإن الغالب هناك وهو مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمة الله عليه ، ومحله معروف بين الأئمة ، وقدره معلوم في السنة ، وكان ما انتهى إلينا أن السبب في تجديد ما تجدد مسألة سئل عنها أبو نصر القشيري عن الأصول ، فأجاب عنها بخلاف ما عرفوه في معتقداتهم ، والشيخ الإمام أبو إسحاق وفقه الله رجل سليم الصدر ، سلس الانقياد ، ويصغي إلى كل من ينقل إليه ، وعندنا من تصادر كتبه ما يدل على ما وصفناه من سهو له يجتذبه والسلام .

فتداول هذا الكلام بين الحنابلة وسروا به ، وقووا معه ، فلما كان يوم الثلاثاء ثاني شوال وهو يوم يسمى بفرح ساعة خرج من المدرسة متفقه يعرف بالإسكندراني ، ومعه بعض من يؤثر الفتنة إلى سوق الثلاثاء ، فتكلم بتكفير الحنابلة ، فرمى بآجرة ، فدخل إلى سوق المدرسة واستغاث بأهلها ، فخرجوا معه إلى سوق الثلاثاء ، ونهبوا بعض ما كان فيه ، ووقع الشر ، وغلب أهل سوق الثلاثاء بالعوام ، ودخلوا سوق المدرسة فنهبوا القطعة التي تليهم منه ، وقتلوا مريضا وجدوه في غرفة ، وخاف مؤيد الملك على داره فأرسل إلى العميد أبي نصر يعلمه الحال ، فأنفذ إليه الديلم والخراسانية فدفعوا العوام ، وقتلوا بالنشاب بضعة عشر ، وأنفذ من الديوان خدم لإطفاء الثائرة ، ولحمل المقتولين إلى الديوان حتى شهدهم القضاة والشهود ، وكتبوا خطوطهم بذلك ، وكان نساؤهم على باب النوبي يلطمن ، وكتب بذلك إلى النظام فجاءت مكاتبات [منه] بالجميل ، ثم ثناها بضد ذلك .

وفي بكرة السبت تاسع عشر شوال ولد للمقتدي مولود سماه أحمد ، وكناه: أبا العباس ، وجلس الوزير فخر الدولة في باب الفردوس للهناء ، وعلق الحريم ، وما بقي من محال الكرخ ، ونهر طابق ، ونهر القلائين ، وباب البصرة ، وشارع دار الرقيق سبعة أيام ، وهو الذي آل الأمر إليه ، وسمي: المستظهر بالله ، وولد له آخر وقت الظهر يوم الأحد السادس والعشرين من ذي القعدة سماه: هارون ، وكناه: أبا محمد ، وجلس لهنائه يوم الاثنين . [ ص: 192 ]

وولي تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الشام ، وحاصر حلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية