الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله ، وأن لا ينفذ إلى خراسان رسول من دار الخلافة ، وأن لا يكون فيها غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع ، ثم واصل سعد الدولة الكوهرائين إنفاذ أصحابه إلى باب الفردوس ، والملازمة فيه لأجل الوزير ، والمطالبة بعزله ، وجرى من التهدد وامتناع الخليفة ما يطول شرحه ، حتى قيل إنه ليس بوزير ، وإنما أبو العميد الدولة وزيرنا ، وقد أنفذناه إليكم في مهماتنا ، ولما خلا الديوان منه جلس فيه والده بحكم النيابة عنه ، وكتبت كتب في هذا المعنى من الديوان ، وأنفذت مع ركابي يعرف: "بالدكدك" مرتب لأمثالها ، فخرج بها فأخذ منها أصحاب سعد الدولة ما أخذوا وضربوه ، وتمم إلى أصبهان فشكا ما لقي ، فلم يشك ، وحضر سعد الدولة باب الفردوس وهو سكران وقال: إن سلم الوزير إلي وإلا دخلت أخذته ، وإن كلمني في معناه إنسان قتلته . فلوطف فعاد من الغد وبات في جماعة في باب الفردوس ، وضربت هناك الطوابل ، وشدت فيها خيل الأتراك ، ونقل الناس أموالهم من نهر معلى والحريم إلى باب المراتب والجانب الغربي ، وأحضر الوزير قوما بسلاح فباتوا على باب الديوان ، وحضر في بكرة فسأل الإذن في ملازمة بيته فأذن له ، وخرج إلى سعد الدولة توقيع فيه:

لما عرف محمد بن محمد بن جهير ما عليه جلال الدولة ونظام الملك من المطالبة بصرفه سأل الإذن في ملازمة داره إلى أن نكاتبهما بحقيقة حاله ، وما هو عليه من الولاء والمخالصة . فأذن له . [ ص: 199 ]

فأخذ سعد الدولة التوقيع وانصرف ، وأقام الوزير في داره ، وجعل ولديه أبا القاسم وأبا البركات ينظران في الأعمال ، وأما الوزير أبو العميد الدولة فإنه لما وصل إلى العسكر وجد من النظام التغير الشديد ، فأعياه أن يطيبه ، وندب نقيب النقباء للخروج إلى أصبهان والخطاب على اعتبار ما قصد له الوزير عميد الدولة ليعود إلى مراعاة أمر الديوان ، فإنه قد وقع الاستضرار ببعده ، وليشرح ما جرى من سعد الدولة . فخرج في ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر ، فأنفذ سعد الدولة من النهروان ، وجرت في ذلك أمور حتى تمكن من السير ، ثم ورد صاحب الوزير بكتابين من السلطان والنظام إلى سعد الدولة أنه انتهى إلينا أنك تعرضت بنواحي الديوان العزيز والوزير فخر الدولة ، فأخذت منهما ما يجب أن تعيده ، فلا تتعرض بما لم تؤمر به . وأحضر سعد الدولة إلى باب الفردوس من غد ، وسلمت الكتب إليه ، وعوتب على ما كان منه من فظيع الفعل وقبيح القول ، فقال: الله يعلم أن الذي أمرت به أضعاف ما فعلته ، وأنا ماض إلى هناك ، فإنني قد استدعيت سأوافق على ذلك بمشهد من عميد الدولة . ثم إن الوزير عميد الدولة تلطف بصبره وبوصله إلى أن استسل ما في نفس نظام الملك واستعاده إلى المألوف منه ، فأنفذ فرسين بعدتهما وعشرين قطعة ثيابا للوزير فخر الدولة إظهارا لرجوع المودة إلى حالها المعهود ، وقضى له كل حاجة ، وزوجه بابنته ، وقدم الوزير إلى بغداد وقد تغير قلب الخليفة له لأفعال الفقهاء الأعداء ، وكتب إليه: قد أعدتك إلى والديك ، ولا مراجعة لك بعد هذا إلى خدمتنا . فانكفأ مصاحبا فدخل إلى والده بباب العامة ، وأغلق الديوان ، وسمرت أبوابه التي تلي باب العامة .

وفي يوم السبت سلخ جمادى الآخرة: فتح الديوان ، ورتب الخليفة فيه الوزير أبا شجاع محمد بن الحسين نائبا فيه فجلس بغير مخدة .

وفي يوم الثلاثاء السادس عشر من ذي القعدة: وقع الرضا عن الوزير عميد الدولة ، والتعويل عليه في الخدمة ، وورد غلام تركي من غلمان النظام إلى الخليفة يشير [ ص: 200 ] برده إلى خدمته ، لأنه استشير فيمن يرتب ، وقال: ما وصلته بولدي وقد بقي في نفسي بقية مكروهة .

وفي هذا اليوم: انقطع أبو شجاع محمد بن الحسين عن الديوان العزيز ، ورتب على باب الحجرة فكان ينهى ويخرج إليه الجواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية