الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلا 2824 - ( عن أنس قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان { لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية } ) .

                                                                                                                                            2825 - وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا } . [ ص: 253 ]

                                                                                                                                            2826 - ( وعن { جابر قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فلما قدمنا ذهبنا لندخل ، فقال : أمهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة } متفق عليهن ) .

                                                                                                                                            2827 - ( وعن جابر قال : { نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم } . رواه مسلم ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( كان لا يطرق ) قال أهل اللغة : الطروق بالضم : المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة ويقال لكل آت بالليل : طارق ، ولا يقال في النهار إلا مجازا . وقال بعض أهل اللغة : أصل الطروق : الدفع والضرب ، وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدفعها بأرجلها ، وسمي الآتي بالليل طارقا لأنه محتاج غالبا إلى دق الباب . وقيل : أصل الطروق السكون ، ومنه : أطرق رأسه ، فلما كان الليل يسكن فيه سمي الآتي طارقا .

                                                                                                                                            قوله : ( إذا أطال أحدكم الغيبة ) فيه إشارة إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة قيد الشارع النهي عن الطروق بالغيبة الطويلة . والحكمة في النهي عن الطروق أن المسافر ربما وجد أهله مع الطروق وعدم شعورهم بالقدوم على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما ، وقد أشار إلى هذا في الحديث الذي بعده ، وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر قال : { قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال : لا تطرقوا النساء وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون } وأخرج ابن خزيمة أيضا من حديث ابن عمر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق النساء ليلا ، فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره } وأخرج نحوه من حديث ابن عباس وقال : " رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلا " وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن جابر { أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا ، فأشار إليه بالسيف ، فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا }

                                                                                                                                            قوله : ( حتى ندخل ليلا ) ظاهره المعارضة لما تقدم من النهي عن الطروق ليلا . وقد جمع بأن المراد بالليل ههنا : أوله ، وبالنهي : الدخول في أثنائه فيكون أول الليل إلى وقت العشاء مخصصا من عموم ذلك النهي ، والأولى في الجمع أن الإذن بالدخول ليلا لمن كان [ ص: 254 ] قد أعلم أهله بقدومه فاستعدوا له ، والنهي لمن لم يكن قد أعلمهم . قوله : ( الشعثة ) بفتح المعجمة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة ، وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه . قوله : ( " وتستحد " ) بحاء مهملة : أي تستعمل الحديدة وهي الموسى ، والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة : أي التي غاب عنها زوجها ، والمراد : إزالة الشعر عنها ، وعبر بالاستحداد لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر ، وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى . قوله ( يتخونهم أو يطلب عثراتهم ) هكذا بالشك ، وقال سفيان : لا أدري هكذا في الحديث أم لا ، يعني : يتخونهم أو يطلب عثراتهم ، والتخون أن يظن وقوع الخيانة له من أهله ، وعثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة : وهي الزلة .

                                                                                                                                            ووقع في حديث جابر عند أحمد والترمذي بلفظ : { لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية