الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              163 [ ص: 291 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 123 - 124 ج2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              عن سهل بن سعد الساعدي ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا. فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها، يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما، إنه من أهل النار". فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدا. قال: فخرج معه؛ كلما وقف وقف معه. وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله. قال: "وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، حتى جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه.

                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، [ ص: 292 ] فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة
                                                                                                                              ".]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن سهل بن سعد الساعدي ) رضي الله عنهما : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التقى هو والمشركون ، فاقتتلوا. فلما مال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم رجل ، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها ، يضربها بسيفه (.

                                                                                                                              الشاذ والشاذة : الخارج والخارجة عن الجماعة. قال عياض : أنث الكلمة على معنى النسمة. أو تشبيه الخارج : بشاذة الغنم. ومعناه : أنه لا يدع أحدا ، على طريق المبالغة. قال ابن الأعرابي : يقال : " فلان لا يدع شاذة ولا فاذة " ، إذا كان شجاعا ، لا يلقاه أحد إلا قتله.

                                                                                                                              وهذا الرجل الذي كان لا يدع شاذة ولا فاذة : اسمه : " قزمان ". قاله الخطيب البغدادي. قال : وكان من المنافقين. (فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد ، ما أجزأ فلان ) مهموز : معناه : ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته.

                                                                                                                              (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أما ، إنه من [ ص: 293 ] أهل النار ". فقال رجل من القوم : أنا صاحبه (كذا في الأصول.

                                                                                                                              ومعناه : أنا أصحبه في خفية ، وألازمه ، لأنظر السبب الذي به يصير من أهل النار ) . فإن فعله في الظاهر جميل. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه من أهل النار. فلا بد له من سبب عجيب.

                                                                                                                              (قال : فخرج معه ؛ كلما وقف وقف معه. وإذا أسرع أسرع معه. قال : فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه (أي : مقبضه (بالأرض ، وذبابه (بضم الذال وتخفيف الباء المكررة ، وهو طرفه الأسفل. وأما طرفه الأعلى : فمقبضه (بين ثدييه ) تثنية "ثد" بفتح الثاء. وهو يذكر ، على اللغة الفصيحة ، التي اقتصر عليها الفراء وثعلب وغيرهما. وحكى ابن فارس والجوهري وغيرهما فيه : التذكير والتأنيث. قال ابن فارس : "الثدي للمرأة ". ويقال لذلك الموضع من الرجل : ثندوة ، وثندؤة. بالفتح بلا همز. وبالضم مع الهمز. وقال الجوهري : "الثدي " للمرأة والرجل. فعلى قول ابن فارس : يكون في هذا الحديث ، قد استعار "الثدي " للرجل وجمع الثدي : أثد. وثدي بضم الثاء وكسرها.

                                                                                                                              (ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله [ ص: 294 ] صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، فقال : أشهد أنك رسول الله. فقال : " وما ذاك ؟". قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك. فقلت : أنا لكم به. فخرجت في طلبه ، حتى جرح جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، عند ذلك : " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة ، فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار ، فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة " (.

                                                                                                                              قال النووي : معناه : أن هذا قد يقع.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : بيان غلظ تحريم قتل نفسه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية