الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا "ويوم نسير الجبال "؛ أي: نحركها من أماكنها؛ ونسيرها كما نسير السحاب؛ كما قال (تعالى): وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ؛ و "يوم "؛ متعلق بفعل محذوف؛ تقديره: "اذكر يوم نسير الجبال "؛ أي: يوم البعث؛ إذ تتغير الدنيا؛ والأرض؛ والسماوات؛ وقد خطر بخاطري أن "نسير "؛ متعلق بـ "خير "؛ محذوفة؛ دلت عليها الآية قبلها؛ أي: "الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا؛ وخير يوم نسير الجبال؛ وترى الأرض... ". [ ص: 4540 ] وتسيير الجبال: تحريكها من أماكنها؛ وتكسيرها؛ فتكون هذه الأوتاد الشامخة متكسرة متفتتة؛ كما قال (تعالى): وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ؛ وكما قال (تعالى): وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت ؛ وترى الأرض بارزة أي: ترى في هذا الوقت صعيد الأرض بارزا؛ ليس عليه جبال كالأوتاد؛ والأشجار؛ وبرز ما في باطنها من أحجار وفلزات؛ وبرز ما فيها من القبور؛ كما قال (تعالى): إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت

                                                          وهكذا ينهي الكون بارئه؛ ويذهب هذه الحياة بانيها؛ ومن بعد ذلك - وقد أبرز كل شيء خالق كل شيء - عندئذ يكون الحشر؛ ولا يغادر منهم أحدا; ولذا قال (تعالى): وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا أي: حشرناهم في ذلك اليوم؛ لا نترك أحدا؛ وعبر - سبحانه - بالماضي؛ لتأكد هذا الحشر؛ واستعمال الماضي في مقام المضارع لتأكد الوقوع؛ وعبر - سبحانه - بالفعل "حشر "؛ للإشارة إلى جمعهم غير مريدين؛ أو مختارين؛ وأنهم جميعا متلاقون؛ الضالون والمضلون؛ وأنهم بعد ذلك يعرضون على ربهم; ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية